ومن أصول الحديث معرفة الأنساب، وأهمها معرفة أنساب العرب، فإنها تنتسب إلى القبائل، وهي تفانت، وطريق إدراك معرفتها النَّقل.
وأما العجم فإنها لا تكاد تنتسب إلى أب قديم إلاَّ نادرًا، وأكثر انتسابها إلى الأمكنة والصّنائع. أمّا الأمكنة فأكثرها مشهورة مدركة بالأخبار المتواترة، غير مفتقرة إلى
تجشُّم بحثٍ وتكلُّف سَبْر، إلاَّ أمكنة يسيرة تحتاج إلى استكشاف، إما لبعدها عن حوزة الإسلام وإمّا لبعدها عن حوزة الإسلام وإما لخمول ذكرها نحو القرى والجبال والأودية. وهذه وإن كانت مفتقرة إلى البحث عنها لخفائها فلا تلحق القبائل في غموضها، فإنها ربما لا تكون مشهورة في غير صُقعها وهي في أصقاعها. وأما القبائل فإنها مفتقرة إلى البحث التَّامّ فإن أكثرها أودت، ومن بقي من نسلها ربَّما تعذَّر عليه التمييز بين آبائه فضلًا عن آباء غيره لقلَّة اكتراثه بضبط أنسابه، فرُبَّ رجل يزعم أنه عدوىّ، فلو قيل من أي عدىّ لاستصعب عليه علم ذلك. وأمل الصنائع فهي مشهورة شائعة لاشتراكها بين العرب والعجم. وإنَّما ذكرت هذا الفصل ليعلم المبتدئ قدر مأخذ هذا العِلْم.
وقد ألَّف جماعة من الأخباريِّين تواليف جمَّة في هذا العلم وأطنبوا فيها، وذكروا ما يلزم الحديثيّ معرفته وما لا يلزمه، ولو تتبَّع كتبهم لفلت وقته والوقت عزيز.
فجمعت في هذا الكتاب، بعد ذكر مقدمة لا بدَّ منها في معرفة اصطلاح النُّسَّاب، الأنساب المتداولة بين أهل الحديث، ورتَّبتها على حروف المعجم. وربَّما أذكر من كل قبيلة نسبًا مُتّصلًا أو رجلا أو رجلين تنبيها للمبتدئ، ولم أذكر من الاختلاف والاشتقاق إلاَّ اليسير، والله مسهِّل العسير.
1 / 4