إلى أن قال مر يومًا بالشيخ ابن غازي بجامع القرويين، فقال ابن غازي لمن كان حوله من الفقهاء: لو أن رجلًا حلف بطلاق زوجته أن أبا العباس الونشريسي أحاط بمذهب مالك وأصوله وفروعه، كان بارًا في يمينه ولا تطلق عليه زوجته، لتبحر أبي العباس وكثرة اطلاعه وحفظه وإتقانه) (١).
وقد تناقل كلمة ابن غازي التي أوردها ابن عسكر أكثر من ترجم له (٢).
أما صاحب البستان فوصفه بالعالم العلامة حامل لواء المذهب على رأس المائة التاسعة (٣). ويقول فيه المنجور: "الفقيه الكبير الحافظ المحصل النوازلي" (٤). ويكرر نفس الأوصاف صاحب الكفاية (٥).
وقد نقل صاحب السلوة نفس العبارات السابقة (٦)، وكذلك فعل ابن القاضي وزاد عليها، فوصفه بالمفتي (٧)، وفيما نقلته من أقوال بعضهم كفاية، فهي تدل على منزلته الرفيعة المعترف بها.
أرجع الآن إلى الكلام عن تدريسه وإفتائه فأقول: لما كان يلقي دروسه ﵀ كان يتوسع في النقل ويرجع إلى الأمهات ويكشف أسرارها ويستظهرها
_________
(١) دوحة الناشر ص ٤٧، كما أن ابن غازي قال بعض العبارات الأخرى في رسالته المطولة التي بعثها إلى الونشريسي انظر أزهار الرياض ٣/ ٦٦ - ٨٣.
(٢) انظر المصادر السابقة. وهنا يجب التنبيه على ما وقع لثلاثة -فيما اطلعت- ممن ترجم للمؤلف من سهو فيما نقلوا عن صاحب الدوحة وهم البوعزاوي في مقدمة المعيار في طبعته الحَجرية، وسلوة الأنفاس ٢/ ١٥٤ والخطابي فِي القسم الدراسي من أوضح المسالك ص ٦٤؛ إذ قالوا: قال صاحب الدوحة: ولقد رأيته مر يومًا بالشيخ ابن غازي وذلك. . إلخ. وهذه العبارة يفهم منها أن صاحب الدوحة رأى الونشريسي، وهو يمر بابن غازي، وذلك بعيد؛ لأن صاحب الدوحة ولد سنة ٩٣٦ هـ ومعروف أن الونشريسي توفي سنة ٩١٤ هـ.
وابن غازي توفي سنة ٩١٩ هـ. والحقيقة أن الضمير في رأيته يرجع إلى كتاب أوضح المسالك المذكور في الكلام السابق، وكلمة مر يومًا كلام مستأنف ذكره ابن عسكر عن غيره، ولم يصرح بصاحبه.
(٣) البستان: ص ٥٣.
(٤) فهرس المنجور: ص ٥٠.
(٥) كفاية المحتاج لأحمد بابا ورقة ٢١ (ظ) و٢٢ (و) مخطوط بالمكتبة الوطنية بتونس رقم ١٤٥٩٧.
(٦) سلوة الأنفاس: ٢/ ١٥٣.
(٧) جذوة الاقتباس ص ١٥٦.
1 / 35