215

Critiquing the Foundations of the Rationalists

نقض أصول العقلانيين

Editorial

دار علوم السنة

Géneros

ولهذا ضرب الله تعالى مثلًا لهؤلاء، ومثلًا لهؤلاء، فقال: (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب) ... فهذا مثل أهل الجهل المركب. وقال تعالى: (أو كظلمات في بحر لُجي يغشاه موجٌ من فوقه موجٌ من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور)، فهذا مثل أهل الجهل البسيط. ومن تمام ذلك أن يعرف أن الضلاّل تشابها في شيئين: أحدهما الإعراض عمّا جاء به الرسول ﷺ، والثاني معارضته بما يناقضه، فمن الثاني الاعتقادات المخالفة للكتاب والسنة. فكل من أخبر بخلاف ما أخبر به الرسول عن شيء من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر أو غير ذلك فقد ناقضه وعارضه، سواء اعتقد ذلك بقلبه، أو قاله بلسانه. وهذا حال كل بدعة تخالف الكتاب والسنة، وهؤلاء من أهل الجهل المركب، الذين أعمالهم كسراب بقيعة. ومن لم يفهم خبر الرسول ويعرفه بقلبه، فهو من أهل الجهل البسيط، وهؤلاء من أهل الظلمات. وأصل الجهل المركب هو الجهل البسيط، فإن القلب إذا كان خاليًا من معرفة الحق، واعتقاده والتصديق به، كان معرضًا لأن يعتقد نقيضه ويصدق به، لا سيما في الأمور الإلهية، التي هي غاية مطالب البرية، وهي أفضل العلوم وأعلاها، وأشرفها وأسماها، والناس الأكابر لهم إليه غاية التشوف والاشتياق، وإلى جهته تمتد الأعناق، فالمهتدون فيه أئمة الهدى، كإبراهيم الخليل وأهل بيته، وأهل الكذب فيه أئمة الضلال، كفرعون وقومه. قال الله تعالى في أولئك: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين) . وقال تعالى في الآخرين: (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون) . فمن لم يكن على طريق أئمة الهدى كان ثغر قلبه مفتوحًا لأئمة الضلال.

5 / 29