﴿فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ (١) ...
وفصّل في هذه الرسالة شريعة تتناول حياة "الإِنسان" من جميع أطرافها، وفي كل جوانب نشاطها، وتضع لها المبادئ الكلية والقواعد الأساسية فيما يتطور فيها ويتحور بتغير الزمان والمكان، وتضع لها الأحكام التفصيلية والقوانين الجزئية فيما لا يتطور ولا يتحور بتغير الزمان والمكان ... وكذلك كانت هذه الشريعة بمبادئها الكلية وبأحكامها التفصيلية محتوية كل ما تحتاج إليه حياة "الإِنسان" منذ تلك الرسالة إلى آخر الزمان من ضوابط وتوجيهات وتشريعات وتنظيمات لكي تستمر وتنمو وتتطور وتتجدد حول هذا المحور وداخل هذا الإِطار وقال الله سبحانه للذين آمنوا:
﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (٢).
فأعلن لهم إكمال العقيدة وإكمال الشريعة معًا فهذا هو الدين .. ولم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين - بمعناها هذا - نقصًا يستدعي الإِكمال ولا قصورًا يستدعي الإضافة (٣) ولا محلية أو زمانية تستدعي التطوير أو التحوير .. وإلّا فما هو بمؤمن وما هو بمقر بصدق الله وما هو بمرتض ما ارتضاه الله للمؤمنين!
إن شريعة ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن هي شريعة كل زمان لأنها بشهادة الله شريعة الدين الذي جاء "للإِنسان" في كل زمان وفي كل مكان
(١) سورة الروم: آية ٣٠.
(٢) سورة المائدة: آية ٣.
(٣) قارن بين هذا وبين خطبة الإِمام عمر بن عبد العزيز وتعليق الإِمام الشاطبي فيما سبق ص ١٢٦ تجده جميعًا يخرج من مشكاة واحدة.