ارتباط قوله تعالى: ﴿حافظوا على الصلوات. . .﴾ بما قبله وما بعده - ضمن «آثار المعلمي»
ارتباط قوله تعالى: ﴿حافظوا على الصلوات. . .﴾ بما قبله وما بعده - ضمن «آثار المعلمي»
Investigador
محمد أجمل الإصلاحي
Editorial
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٣٤ هـ
Géneros
الرسالة الخامسة
في ارتباط قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ...﴾
بما قبله وما بعده
7 / 187
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(٢٣٨ - ٢٣٩) ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (٢٣٨) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾.
في الآية الثانية صلاة الخوف، وإنما يكون ذاك في الجهاد، فلها نظر إلى آية (٢١٨) وما قبلها، فإنها في شأن الجهاد. وأما الآية الأولى فهي كالمقدمة للثانية.
وللآيتين علاقة بآيات النكاح والطلاق من وجهين:
الأول: أن في آيات النكاح والطلاق بيان العدل في معاملة النساء. وفي بعضها التخفيف عنهن، وفي بعضها تشديدٌ ما مع إرشاد الرجال إلى العفو. وفي آية (٢٣٧): ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾. وفي آية (٢٣٩) بيان عفو الله ﷿ وتخفيفه عنَّا بأن لم يكلِّفنا ما يشقُّ علينا من المحافظة على إتمام صفة الصلاة عند الخوف. فكأنه تعالى يقول: كما عفوت عنكم، وخفَّفت عليكم؛ فاعفوا أنتم عن أزواجكم، وخفِّفوا عليهن. وأما الآية الأولى، فكالمقدمة للثانية، كما مرَّ.
الوجه الثاني: أن أحكام النكاح والطلاق من عظيم نعم الله علينا، فعلينا أن نشكره، والمحافظة على الصلاة هي أعظم الشكر. وقد نبَّه على ذلك بقوله في آخر الآيتين: ﴿كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾. فكأنه تعالى قال: كما علَّمكم من أحكام النكاح والطلاق ما فيه صلاحكم،
7 / 189
وهداكم لما اختلف فيه الذين من قبلكم من الحقِّ، وخفَّف عنكم بعض ما كان مشدَّدًا عليهم؛
فاشكروه، وأعظم الشكر: المحافظة على الصلاة.
ثم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ﴾ إلى أن قال: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ [٢٤٠ - ٢٤١].
علاقة هاتين الآيتين بآيات النكاح والطلاق واضحة. وأما علاقتهما بآيتي (٢٣٨ - ٢٣٩) فمن أوجه:
الأول: أنَّ للأوليين تعلُّقًا بالخوف والقتال كما مرَّ. وفي آية (٢٤٠): ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ... وَصِيَّةً﴾. ومعنى "يتوفون": أي يشارفون الوفاة، لأنَّ المتوفَّى حقيقةً لا يمكن أن يوصي. فكأنه قيل: إنَّكم معرَّضون للجهاد والقتل، وبذلك تكونون دائمًا مشارفين للوفاة، وينبغي لمن كان مشارفًا للوفاة أن يوصي لزوجته. وأما المتعة للمطلقة، فكأنها في مقابل الوصية للمتوفى عنها.
الوجه الثاني: أنَّ في الأوليين الإشارة إلى الترغيب في العفو والتخفيف عن النساء كما مرَّ، وفي الأخريين الترغيب في الإحسان إليهن بالوصية والمتعة.
الوجه الثالث: أنَّ في الأوليين الإشارة إلى الأمر بشكر الله ﷿ على ما علَّم وذلك بالصلاة؛ وفي هاتين شكر الأزواج على ما كان من خلطتهن وخدمتهن وغير ذلك، بأن يوصي لها بعد موته أو يمتِّعها إذا طلَّقها.
7 / 190
وفي
الحديث: "من لم يشكر الناس لم يشكر الله" (^١).
[ص ٢] هذا، وفي سَوقِ الكلام هذا المساقَ الذي يتراءى منه أنَّ آيتي الصلاة مقحمتان بين آيات النكاح: نكتة، وذلك أنَّ المعروف من سنَّة الكلام أنَّ المتكلِّم لا يقطع كلامه ما لم يتمَّ غرضُه، ولا يفصل بين أجزائه بكلام أجنبيٍّ إلَّا إذا عرض أمر مهم، كالخطيب يكون في أثناء خطبته، ثم يرى جماعةً يتكلمون، فيُقحم في خطبته كلامًا يتعلَّق بالزجر عن الكلام وقتَ سماع الخطبة.
وبالجملة يبين بهذا أنَّ إقحام الحكيم كلامًا بين أجزاء كلامه إنما يكون لأهمية ذلك المقحَم. وإذ كان يتراءى من آيتي الصلاة أنهما مقحمتان، ففي ذلك دلالة عِظَمِ أهمية الصلاة؛ وهذا بحسب ما يتراءى، والله أعلم.
_________
(^١) أخرجه أحمد (٧٥٠٤)، والبخاري في "الأدب المفرد" (٢١٨)، والترمذي (١٩٥٤)، وغيرهم عن أبي هريرة ﵁. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
7 / 191