Clear Curriculum for Eloquence
المنهاج الواضح للبلاغة
Editorial
المكتبة الأزهرية للتراث
Número de edición
-
Géneros
الثاني: عدم استعمال الكلمة عند العرب الخلص بالمعنى الذي أريد منها، فيحتاج في معرفتها إلى تخريج على وجه بعيد، كلفظ "مسرجا" في قول العجاج أحد الرجازين المشهورين:
أيام أبدت واضحًا مفلجًا ... أغر براقًا وطرفًا أدعجا
ومقلة وحاجبًا مزججًا ... وفاحمًا ومرسنًا مسرجا١
يصف الشاعر من محبوبته عدة أشياء؛ منها الأنف في قوله: "ومرسنا مسرجا" فقد أراد بالمرسن أنفها، وهو في الأصل أنف البعير؛ إذ هو موضع الرسن٢ منه.
ثم أريد به: مطلق أنف، مجازًا مرسلًا كما سيأتي بيانه في محله فقوله: "مسرجا" غير فصيح؛ لأنه غريب غير ظاهر المعنى لعدم استعماله بالمعنى الذي أريد منه على ما يظهر.
بيان ذلك: أنه لم يعلم ما أراده الشاعر بقوله: "مسرجا"؛ ولذلك اختلف فيه فقيل: هو من قولهم: "سيوف سريجية" أي: منسوبة إلى حداد يقال له: سريج٣ كان يجيد صنعها، فهو يريد أن يشبه أنفها في الدقة والاستواء بالسيف السريجي.
وقيل: هو من السراج أي: المصباح، يريد أن يشبه أنفها في البريق واللمعان بالسراج. وهذا التأويل قريب من قولهم: سرج الله وجهه أي: بهجه وحسنه.
وعلى كلا القولين هو غير ظاهر الدلالة على ما ذكر؛ لأن مادة "فعَّل" بالتشديد إنما تدل فقط على مجرد نسبة شيء إلى شيء، فيقال: كفّر فلان فلانًا نسبه إلى الكفر، وفسَّقه نسبه إلى الفسق، فهو مكفر أو مفسق أي: منسوب إلى الكفر والفسق. أما النسبة التشبيهية، وهي أن يكون المنسوب شبيها بالمنسوب إليه، فلا تدل عليه
_________
١ ضمير "أبدت" عائد على محبوبته في البيت قبله "وواضحًا" صفة لموصوف محذوف أي: سنًّا واضحًا متميزًا، والفلج بالتحريك: تباعد ما بين الأسنان، والأغر: الأبيض، والدعج بالتحريك: اتساع العين وحسنها، والتزجيج: التدقيق مع تقويس، و"فاحما" صفة لمحذوف أي: شعرًا أسود كالفحم، فهو نسبة تشبيهية من نسبة المشبه إلى المشبه به.
٢ هو مقود البعير.
٣ بضم السين، وفتح الراء.
1 / 13