لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
وقوله: ﴿أنْ يَكُونَ لهُمُ الْخِيَرة﴾ يعني: أن يختاروا من أمرهم شيئا، بل يجب عليهم أن يجعلوا اختيارهم تبعا لاختيار الله ورسوله، والخيرة: (كعنبة) ما يتخير.
وقوله تعالى: ﴿وَدَاعِيًا إِلى اللَّهِ﴾ أي: إلى توحيده وعبادته ﴿بِإِذْنِهِ﴾ أي: بتيسيره، ﴿وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ (الأحزاب:٤٦) يستضاء به عن ظلمات الجهالة والردى، وتقتبس من أنوار الهدى. ومن كان برهانا على جميع الخلق كان حقيقا بان يكتفي به عن غيره.
قول العرباض: "وعظنا رسول الله ﷺ موعظة" في رواية أحمد وأبي داود والترمذي "بليغة" وفي رواية: "أن ذلك كان بعد صلاة الصبح"، وكان كثيرا ما يعظ أصحابه في غير الخطب الراتبة كالجمعة والأعياد، وقد أمره الله تعالى بذلك فقال: ﴿وَعِظْهُمْ وَقُلْ لهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا﴾ (النساء: من الآية ٦٣)، وقال: ﴿ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ (النحل: من الآية ١٢٥) ولكنه كان لا يديم وعظهم بل يتخولهم به إحيانا والبلاغة في الموعظة مستحسنة؛ لأنها أقرب إلى قبول القلوب واستجلابها.
والبلاغة: هي التوصل إلى إفهام المعاني المقصودة، وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورة من الألفاظ الدالة عليها، وأفصحها وأحلاها للأسماع وأوقعها للقلوب، وكان يقصر خطبته ولا يطيلها، بل كان يبلغ ويجيز.
وقوله: "ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب" هذان الوصفان مدح الله تعالى بهما المؤمنين عند سماع الذكر كما قال ﷿: ﴿الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلتْ قُلُوبُهُمْ﴾ (لأنفال: من الآية ٢) وقال: ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا