117

Cinaya Sharh Hidaya

العناية شرح الهداية

Editorial

شركة مكتبة ومطبعة مصفى البابي الحلبي وأولاده بمصر وصَوّرتها دار الفكر

Número de edición

الأولى

Año de publicación

1389 AH

Ubicación del editor

لبنان

بَابُ التَّيَمُّمِ
(وَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَهُوَ مُسَافِرٌ
ــ
[العناية]
[بَابُ التَّيَمُّمِ]
لَمَّا فَرَغَ عَنْ ذِكْرِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ ذَكَرَ التَّيَمُّمَ لِمَا أَنَّ حَقَّ الْخَلَفِ أَنْ يَعْقُبَ الْأَصْلَ، أَوْ نَقُولُ ابْتَدَأَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْغُسْلِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالتَّيَمُّمِ تَأَسِّيًا بِكِتَابِ اللَّهِ الْعَزِيزِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَرَكَ التَّأَسِّي بِكِتَابِ اللَّهِ فِي تَقْدِيمِ الْمُسَافِرِ وَخَارِجَ الْمِصْرِ عَلَى الْمَرِيضِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ الْمَرِيضَ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي قَوْلِهِ ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ [النساء: ٤٣] أُجِيبَ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ مُرَتَّبٌ عَلَى عَدَمِ الْمَاءِ وَهُوَ فِيهِمَا حَقِيقِيٌّ وَفِي الْمَرِيضِ حُكْمِيٌّ، وَالتَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ وَفِي الشَّرِيعَةِ هُوَ الْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ لِلتَّطَهُّرِ، فَالِاسْمُ الشَّرْعِيُّ فِيهِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ، وَثُبُوتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ: تَعَالَى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [النساء: ٤٣] «وَكَانَ نُزُولُهَا فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ حِينَ عَرَّسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةً فَسَقَطَتْ مِنْ عَائِشَةَ قِلَادَةٌ لِأَسْمَاءِ، فَلَمَّا ارْتَحَلُوا ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَبَعَثَ رَجُلَيْنِ فِي طَلَبِهَا فَنَزَلُوا يَنْتَظِرُونَهُمَا فَأَصْبَحُوا وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَأَغْلَظَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَائِشَةَ ﵄ وَقَالَ: حَبَسْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمِينَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَنَزَلَتْ، فَلَمَّا صَلَّوْا بِالتَّيَمُّمِ جَاءَ أُسَيْدَ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى مِضْرَبِ عَائِشَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ: مَا أَكْثَرَ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «يَرْحَمُك اللَّهُ يَا عَائِشَةَ مَا نَزَلَ بِك أَمْرٌ تَكْرَهِينَهُ إلَّا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ فَرَجًا» .
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ «رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَيَمَّمْت وَصَلَّيْت» وَقَوْلُهُ: ﵊ «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ مَا يَكْفِي لِرَفْعِ الْحَدَثِ الَّذِي بِهِ تَحِلُّ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ يَسْتَوِي وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ، إذْ لَا يَثْبُتُ بِهِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ فَكَانَ كَالْمَعْدُومِ. لَا يُقَالُ: مَاءٌ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ [المائدة: ٦] نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَتَنَاوَلُ مَا يُسَمَّى بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَلَّا يَجُوزَ إلَّا بَعْدَ اسْتِعْمَالِ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِي لِلْوُضُوءِ كَمَا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُرَادُ بِهِ مَا تَحِلُّ بِهِ الصَّلَاةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ النَّجِسِ لَا يَمْنَعُهُ وَإِنْ تَنَاوَلَتْهُ النَّكِرَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالْحِلُّ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا يَكْفِي

1 / 121