تركته وسرت في اتجاه بين القصرين. وعند عطفة المناخلية وجدت الناس قد هدمت مصاطب الحوانيت، وجعلوا أحجارها متاريس، ووقف دون كل متراس جمع عظيم.
تجولت بينهم، وعند متراس الشوائين حيث تجمع مغاربة الفحامين وجدت جماعة من جند الفرنساوية. وعندما بدءوا يبندقون على المتراس أسرعت بالعودة، ووصفت للشيخ بدقة ما رأيته، فقام بتسجيله. وجاء جعفر قائلا إن الفرنساوية نصبوا المدافع عند تلال البرقية والقلعة.
عند العصر ضربوا بالمدافع والبنبات على البيوت والحارات، وتعمدوا بالخصوص جامع الأزهر، وما جاوره من أماكن كسوق الغورية، والفحامين، والصنادقية. وتتابع الرمي من القلعة. وسمعنا دويا قريبا وتبين أن بنبة نزلت على المسكن المجاور، فهدمت في مرورها حيطان الدور.
ثم جاءنا الخبر أن بعض المشايخ ذهب إلى بونابرته ليمنع عساكره من الرمي ويكفون عن القتال على أن يكف المسلمون أيضا. فأمر برفع الرمي، وخرجوا من عنده وهم ينادون بالأمان في المسالك، وتسامع الناس بذلك فتسابقوا لبعض بالبشارة واطمأنت القلوب.
وبعد هجعة من الليل استيقظنا على نباح الكلاب ودق على الباب. ووجدنا صاحب الحمام المجاور عاريا كما ولدته أمه. أدخلناه وأعطاه أستاذي بعض الملابس. قال إن الفرنساوية دخلوا المدينة كالسيل، ومروا في الأزقة والشوارع الخالية، وهدموا ما وجدوه من المتاريس. وإنه كان بالجامع الأزهر عندما دخلوه بخيولهم، وتفرقوا بصحنه ومقصورته، وربطوا خيولهم بقبلته، وهشموا خزائن الطلبة والمجاورين والكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع، والودائع والمخبآت بالدواليب والخزانات، ودشتوا الكتب والمصاحف على الأرض وداسوها، وتغوطوا وبالوا وتمخطوا، وشربوا الخمر، وكسروا أوانيه وألقوها بصحنه ونواحيه، وكل من صادفوه به عروه من ثيابه وأخرجوه.
الثلاثاء 23 أكتوبر
خرجت في الصباح أستطلع الأخبار. انطلقت من الناحية المؤدية إلى الجامع الأزهر. رأيت عسكرهم مصطفا بباب الجامع المعروف بباب المزينين. فكل من حضر للصلاة يراهم فيكر راجعا.
رجعت أدراجي وغادرت الحارة من الناحية الأخرى. ووجدتهم منتشرين في السوق وقد وقفوا صفوفا. ورأيتهم يفتشون أحد المارة ويأخذون ما معه.
تخللت الأزقة الجانبية حتى جامع الغوري، ورأيت جماعة منهم يرفعون القتلى والمطروحين من الإفرنج والمسلمين، ويزيلون أحجار المتاريس ويضعونها في ناحية لتصير طرق المرور خالية.
وشهدت برطلمين في موكب يجر خلفه رجالا موثوقين بالحبال، وأعوانه يضربونهم بالسياط.
Página desconocida