استخرجت الطيارات وقلبت فيها. كانت مرتبة حسب التاريخ، وتبدأ بمقدمة صغيرة تنتهي بآية:
وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ، وتبعها بالأحداث منذ وصول الإنجليز إلى ثغر الإسكندرية قبل مجيء الفرنساوية، ثم سجل ما وقع بعد ذلك.
أوشكت أن أعيد الأوراق إلى مكانها عندما لفت نظري شيء. بحثت عن الورقة التي دون فيها أحداث اليوم العشرين من شهر ربيع الأول الذي يوافق أول سبتمبر، وتتبعت ما دونه بعد ذلك، فوجدت أنه انتقل مباشرة بعدها إلى أحداث الأيام التالية دون أن يذكر شيئا عن إعدام محمد كريم.
تعجبت للأمر: هل نسي؟ تصفحت الأوراق القليلة التالية حتى تاريخ اليوم فلم أجد أثرا للخبر. وكان أحيانا إذا فاته شيء يسجله في الأيام التالية.
سررت لأني دونت في أوراقي كل التفاصيل. حمدت الله وقررت ألا أذكر له شيئا عن الأمر كي لا أكشف تجسسي على أوراقه.
أعدت الأوراق مكانها مرتبة كما كانت. وأنزلت لوح الخشب، ثم أغلقت الخزانة وغادرت القاعة منتشيا بأني حققت شيئا فات على أستاذي.
الجمعة 14 سبتمبر
انتهى خليل من حلاقة رأسه وصعد ليستحم. أخذت مكانه فوق القاعدة الحجرية في الحوش، ووقف الحلاق خلفي يعمل مقصه في شعري. وجالت عيناي بين الخدم الذين ينتظرون دورهم، ولاحظت فجأة أني لم ألمح الجارية السوداء منذ أيام.
أراد الحلاق أن يترك شعر وجهي النابت لتنمو لي لحية، لكني رفضت وطلبت منه أن يزيله، ثم تركت مكاني لجعفر، وذهبت إلى حجرتي فأخذت ملابس نظيفة وبحثت عن فرخ من ورق اللف البلدي فلففتها به.
خرجت إلى الحارة. مشيت بضع خطوات، ثم ولجت عطفة غير نافذة بآخرها حمام الصنادقية. استقبلني الخدم في الحجرة الأولى حيث أودعت ملابسي. ناولني أحدهم فوطة لففتها حول جسمي، وتبعته في ممر. أحسست بوهج الحرارة يتزايد تدريجيا حتى اشتدت في مدخل الحجرة الثانية.
Página desconocida