سمعنا عن رجل مغربي يقال إنه الذي كان يحارب الفرنسيس بجهة البحيرة سابقا، وقد التف عليه طائفة من المغاربة البلدية، وجماعة من الحجازية، فكان يتجسس على البيوت التي بها الفرنسيس والنصارى، فيكبس عليهم ومعه جمع من العوام والعسكر، فيقتلون من يجدونه منهم، وينهبون الدار ويسحبون النساء ويسلبون ما عليهن من الحلي والثياب، ومنهم من قطع رأس البنية الصغيرة طمعا فيما على رأسها وشعرها من الذهب.
الخميس 27 مارس
كنت مرابطا في الجمالية عندما جاءت مجموعة من عسكر العثمانية وأوباش العامة يجرون الشيخ خليل البكري مع أولاده وحريمه وهو ماش على أقدامه ورأسه مكشوفة، وحصلت له إهانة بالغة وسمع من العامة كلاما مؤلما وشتما. وأركبوه حمارا على وضع مقلوب وعلقوا في عنقه أجراسا والناس تبصق عليه وترمي عليه الأقذار، واتهموه بأنه يوالي الفرنسيس ويرسل إليهم الأطعمة. لم أتبين ابنته لأن النساء كن مستورات بالكلية. فلما مثلوه بين يدي عثمان كتخدا هاله ذلك، واغتم غما شديدا ووعده بخير وطيب خاطره، وأخذه سيدي أحمد بن محمود محرم التاجر مع حريمه إلى داره وأكرمهم وكساهم، وأقاموا عنده.
الجمعة 28 مارس
أحاطت العساكر الفرنساوية بالمدينة وبولاق، ومنعوا الداخل من الدخول والخارج من الخروج. وانعدمت الأقوات، وغلت أسعار المبيعات، وعزت المأكولات، وارتفع وجود الخبز من الأسواق، وامتنع الطوافون به على الأطباق، وصارت العساكر الذين مع الناس بالبلد يخطفون ما يجدونه بأيدي الناس من المآكل والمشارب، وغلا سعر الماء المأخوذ من الآبار أو الأسبلة حتى بلغ سعر القربة نيفا وستين بارة، وأما البحر فلا يكاد يصل إليه أحد، وهلكت البهائم من الجوع لعدم وجود العلف من التبن والفول والشعير والدريس، بحيث صار ينادى على الحمار أو البغل المعدود الذي قيمته ثلاثون ريالا بريال واحد أو بمائة بارة وأقل، ولا يوجد من يشتريه، وتكفل التجار ومساتير الناس والأعيان بكلف العساكر المقيمين بالمتاريس المجاورة لهم.
السبت 29 مارس
طلب أكابر القبط مثل: جرجس الجوهري وفلتيوس وملطي، الأمان من المتكلمين من المسلمين لكونهم انحصروا في دورهم وخافوا على نهب دورهم إذا خرجوا فارين، فأرسلوا إليهم الأمان، فحضروا وقابلوا الباشا والكتخدا والأمراء، وأعانوهم بالمال واللوازم.
أما يعقوب فإنه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي ، واستعد استعدادا كبيرا بالسلاح والعسكر المحاربين، وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الأولى، فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معهم.
وكان إسماعيل كاشف تحصن ببيت أحمد أغا شويكار الذي كان الفرنساوية جعلوا به لغما بالبارود المدفون، فاشتعل ذلك اللغم، ورفع ما فوقه من الأبنية والناس وطاروا في الهواء، واحترقوا عن آخرهم، وفيهم إسماعيل كاشف المذكور، وانهدم جميع ما هناك من الدور والمباني العظيمة والقصور المطلة على البركة، واحترقت جميع البيوت التي من عند بين المفارق بقرب جامع عثمان كتخدا إلى رصيف الخشاب، والخطة المعروفة بالساكت بأجمعها إلى الرحبة المقابلة لبيت الألفي سكن ساري عسكر الفرنساوية، وكذلك خطة الفوالة بأسرها، وكذلك خطة الرويعي، وما في ضمنها من البيوت إلى حد حارة النصارى، وصارت كلها تلالا وخرائب.
وعندما سمع أستاذي بالأمر قال: تلك بيوتهم خاوية بما ظلموا.
Página desconocida