وعند عودتي وجدت عرباتهم تنقل المدافع والجلل وآلات الحرب. ولم أتبين وجهتهم، ولا عرفها من سألتهم من الناس. واستمر ذلك بالليل.
الخميس 20 مارس
خرجت جموع الفرنساوية إلى ظاهر المدينة جهة قبة النصر، وانتشروا في تلك النواحي، ولم يبق بداخل المدينة منهم إلا القليل وغلب على ظن الناس أنهم برزوا للرحيل.
الجمعة 21 مارس
دوت المدافع في الصباح وكثر اللغط والقيل والقال، وهاج الناس ورمحوا إلى أطراف البلد، وشاع أنهم قتلوا أشخاصا من الفرنساوية صادفوهم. صلينا على عجل ودعا الإمام بذهاب دولة الفرنسيس.
وعرفنا أن كليبر ركب قبل طلوع الفجر بعساكره وصحبتهم المدافع وآلات الحرب. وتوجه إلى جهة المطرية، فضربوا على العثمانية، فلم يسع نصوح باشا إلا الجلاء والفرار، وترك الترك خيامهم ووطاقهم، فنهبها الفرنساوية وسمروا أفواه المدافع وتركوها.
وأرسلني أستاذي إلى باب النصر فوجدت عامة أهل البلد والأوباش قد تجمعوا على التلول خارجه، وبأيدي الكثير منهم النبابيت والعصي، والقليل معهم السلاح.
وعندما دخل وقت العصر وصل جمع عظيم وخلفهم إبراهيم بك، ثم نصوح باشا ومعه عدة وافرة من عساكرهم، وصحبتهم السيد عمر نقيب الأشراف، والسيد أحمد المحروقي، وحسن بك الجداوي، وعثمان بك الأشقر، وإبراهيم السناري كتخدا مراد بك، وصحبتهم مماليكهم وأتباعهم، فدخلوا من باب النصر وباب الفتوح، ومروا على الجمالية وأنا خلفهم حتى وصلوا إلى وكالة ذي الفقار فنزلوا هناك، وبعد قليل خرج نصوح باشا للعامة المتجمهرين وقال لهم: «اقتلوا النصارى وجاهدوا فيهم.»
فصاحوا وهاجوا، ورفعوا أصواتهم، ومروا مسرعين يقتلون من يصادفونه من نصارى القبط والشوام وغيرهم، فذهبت طائفة إلى حارات النصارى وبيوتهم التي بناحية بين الصورين، وباب الشعرية، وجهة الموسكي، فسرت خلفهم وأنا أفكر في مصير حنا وأهله. ورأيتهم يكبسون الدور ويتسورون عليها ويقتلون من يصادفونه من الرجال والنساء والصبيان، وينهبون ويأسرون. وصارت النصارى تقاتل وترمي بالبندق والقرابين من طبقات الدور على المجتمعين بالأزقة من العامة والعسكر، وهؤلاء يرمون من أسفل.
لم أجسر على الذهاب إلى بيت حنا، وعدت إلى أستاذي فرويت له الأخبار؛ فصار يضرب كفا بكف ويدعو باللطف من الله.
Página desconocida