وجدتها هذه المرة. وجرى بيننا كالسابق.
لم يكن جعفر بالبيت عند عودتي. ولاحظت أني لم أره منذ يومين. سألت عنه فقالوا إنه ربما يشتري السكر من السكرية.
الخميس 19 سبتمبر
وقع اليوم شيء غريب. كنت في فراشي بعد العشاء عندما سمعت حركة في الحوش. فتحت باب غرفتي فرأيت جعفر عند الباب الخارجي يحمل قنديلا. وكان الباب مفتوحا وما لبث أن ظهر في مدخله رجل ضخم يلتحف بعباءة سوداء أوشكت أن تغطي وجهه. تنحى جعفر عن الباب وأغلقه بإحكام، ثم تقدم في الحوش والرجل الغامض خلفه. اتجه جعفر إلى الباب الداخلي. وعندما بلغه طرقه بطريقة معينة. وانفتح الباب كاشفا عن أستاذي عبد الرحمن بنفسه. احتضن الزائر ثم اختفوا جميعا في الداخل.
شعرت أنهما لا يريدان أن يراهما أحد فتراجعت إلى الداخل، وجلست في الظلام مواربا الباب وأنا أتساءل عن كنه الشخص الغامض. كانت ملابسه ثمينة ويبدو من الحكام.
مر وقت من الليل دون أن أبارح مكاني، ثم سمعت صريرا. اقتربت من الباب الموارب، رأيت جعفر أمام الباب الداخلي وقد رفع القنديل إلى أعلى كي يتبين الزائر موضع قدميه. وأوشك هذا أن يتعثر فانزاحت العباءة عن وجهه. بدرت مني آهة دهشة كتمتها في الحال. كان الزائر الغامض هو محمد بك الألفي بنفسه.
رجعت إلى فرشتي وأنا أفكر في جرأته وهو مطلوب من الفرنساوية. وهل جعفر هو الذي أحضره من مخبئه؟ وما معنى هذه الزيارة؟ هل أستاذي موالس مع المماليك ويعدون لأمر؟
الجمعة 20 سبتمبر
نودي بعمل مولد السيد علي المدفون بجامع الشرايبي، وأمروا الناس بإشعال قناديل بالأزقة في تلك الجهات، وأذنوا لهم بالذهاب والمجيء ليلا ونهارا من غير حرج.
وعرفت من أستاذي قصة هذا السيد ، فقد كان من البلهاء يمشي بالأسواق عريانا مكشوف الرأس والسوأتين، وله أخ صاحب دهاء ومكر لما رأى من ميل الناس لأخيه، واعتقادهم فيه، كما هي عادة أهل مصر في أمثاله، حجر عليه ومنعه من الخروج من البيت وألبسه ثيابا، وأظهر للناس أنه صار من أقطاب الصوفية وله كرامات، وأنه يطلع على خطرات القلوب والمغيبات، وينطق بما في النفوس؛ فأقبل الرجال والنساء على زيارته والتبرك به، وسماع ألفاظه والإنصات إلى تخليطاته وتأويلها بما في نفوسهم، وأقبلوا عليه بالهدايا والنذور والإمدادات الواسعة من كل شيء، وخصوصا من نساء الأمراء والأكابر، وراج حال أخيه واتسعت أمواله، وسمن الشيخ من كثرة الأكل والفراغ والراحة حتى صار مثل البو العظيم، فلم يزل على ذلك إلى أن مات من ست سنوات، فدفنه أخوه بجانب هذا المسجد، وعملوا عليه مقصورة ومقاما وواظب عنده بالمقرئين والمداحين وأرباب الأشاير والمنشدين، يذكرون كراماته ويتصارخون ويمرغون وجوههم على شباكه وأعتابه، ويغرفون بأيديهم من الهواء المحيط به، ويضعونه في أعبابهم وجيوبهم.
Página desconocida