Ciencia de la Ética Psicológica: Principios de Filosofía Literaria
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Géneros
رأيت فيما تقدم أن معنى الحياة البشرية أو غايتها القصوى، أو غرض الطبيعة الأقصى منها - الإنسانية العليا - استلزم وجود ذاتية مجردة في الإنسان غير ذاتيته الطبيعية؛ ذاتية أدبية. وهذه الذاتية هي مركز شخصية أخرى له غير شخصيته البيولوجية الحيوية، هي شخصية أدبية اجتماعية؛ ولذلك ينبغي أن نتبسط كفاية في تبيان هذه الشخصية. (3-1) اندماج الذاتية الأدبية بالمجتمع
الشخصية البيولوجية مستقلة بحياتها: هي شخصية الفرد الطبيعية القائمة بنفسها، والمستوفية عدة الحياة في داخلها، فتقوم بأفعالها في نفسها لنفسها. وأما الشخصية الاجتماعية التي تتمركز فيها الذاتية الأدبية فهي مندمجة في جسم المجتمع كعضو من أعضائه، فتفعل أفعالها الأدبية بحسب ما تقتضيه بيئتها، وتتكون أدبياتها وأحكامها الأدبية مما تقرر في هذه البيئة. ولكي نعلم مقدار اندماج الذاتية الأدبية أو الشخصية الاجتماعية بالمجتمع، ونفهم كيفية عضويتها فيه، نبحث في مقدار استقلال الفرد عن المجتمع ومقدار علاقته به؛ أي إلى أي حد هو مستقل عن الجماعة، وإلى أي حد هو مقيد بها. (3-2) الإنسان ابن الاضطرار لا الاختيار
يولد الإنسان ولا يلبث يعي وجوده حتى يرى نفسه مقيدا بقوانين وأنظمة تثلم حريته، وتضيق دائرة استقلاله. فلننظر: هل يمكن للإنسان أن يولد ويشب ويكبر إلى أن يصير إنسانا مسئولا وهو في مطلق حريته؟
فأولا: أنه لا يولد باختياره، وما كانت له أقل إرادة أو اختيار في مجيئه إلى هذا العالم؛ فهو مولود الاضطرار لا الاختيار، ومتى ولد كانت ذاتيته كالشمع تنطبع فيه شخصيته، أو إن شئت أن تقول: إن شخصيته الطبيعية تكون كالشمع تطبع فيه ذاتيته الأدبية، فهل في وسعه أن يرسم لنفسه ذاتية أو شخصية خاصة به، أو أن يطبع نفسه بالشخصية التي يريدها؟
وهل يستطيع أن يبتدع لنفسه شخصية جديدة مختلفة عن شخصيات الناس، أو على الأقل عن شخصيات من هم حوله؟ أليس مضطرا أن ينطبع بالطابع الذي وجد قبله له ولغيره؟ فالولد منذ يولد إلى أن يشب ويكبر إنما هو مدين بشخصيته للعوامل الاجتماعية التي تكونها؛ لأن نفسه مسبوكة بقالب فكرة الاتصال بالأحوال والحوادث الماضية والحاضرة والمستقبلة، فلا غنى له عن الاقتباس من الاختبارات الجارية، فهو يجمل في حياته هذه الاختبارات الماضية والحاضرة، ويصوغ شخصيته منها. يقتبس عاداته من ذويه وقومه كما اقتبسوها هم من أسلافهم، وينهج المناهج التي نهجوها وينهجونها. (3-3) تكون الشخصية من مواد الأنظمة الاجتماعية
فمنذ تتكون في الطفل عقليته يشرع يقتبس تصوراته مما حوله، وأول ما يتناوله هو اللغة. واللغة ليست ملك أبويه، ولا هي ميراث له، بل هي نظام اجتماعي كونته الأجيال السالفة والحاضرة؛ فهو إذن يقتبس نظاما نظمه المجتمع، ومتى انتقل من حجري والديه إلى المدرسة والكلية، وجعل يتلقن العلم على أساتذته، كان يقتبس علم الأجيال الماضية والحاضرة؛ لا علم أولئك الأساتذة؛ لأنهم هم اقتبسوه مثله وأضافوا إليه، حتى الكتاب الذي يدرسه ليس من بنات أفكار مؤلفه وحده، بل هو زبدة اختباراته واختبارات كثيرين كتبوا قبله.
ومتى دخل إلى دائرة السعي والعمل كان في مدرسة أخرى يقتبس منها اختبارات السابقين والحاليين، وإذا عمل كان يسبك في أعماله مجمل اختبارات الآخرين على الأسلوب الذي يتهيأ له، ولكنه مهما تفنن في السبك فلا يستغني عن المواد التي اقتبسها.
كذلك أخلاقه الأدبية التي يصوغ منها شخصيته إنما هي مصوغة من مواد الأنظمة الاجتماعية المختلفة؛ فهو يصوغ نفسيته الأدبية من عادات قومه وتقاليدهم، ومن أنظمة المجتمع المدنية والدينية والأدبية والاقتصادية إلخ.
فنرى مما تقدم أنه مدين بشخصيته ليس لوالديه ولا لأساتذته ولا لذويه الذين يعاملهم، بل للمجتمع برمته؛ لأن كل فرد مثله اقتبس كما اقتبس. فجميع أفكاره وتصوراته قد صيغت في القالب العام الذي أعد من قبل المجتمع لكي تصاغ به شخصية كل فرد، «وتكون هذه الأفكار والتصورات حسنة وصائبة ومناسبة له وللمجتمع بالنسبة: أولا؛ إلى ما بلغت إليه اللغة من درجة الرقي ، وما احتوته من المعارف والصور العقلية، ثانيا: إلى درجة التعليم التي بلغ إليها الوسط الذي يقيم فيه، ثالثا: إلى القوة العقلية التي ورثها من سلالته.»
1 (3-4) تضامن الفرد مع المجتمع
Página desconocida