Ciencia de la Ética Psicológica: Principios de Filosofía Literaria
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Géneros
ولو كان جميع الناس يستوفون الحكمة والقوة الأدبية والفطانة والتعقل لوجدوا أنفسهم ملتقين عند نقطة واحدة؛ هي نقطة الحق الواحد المطلق العام الثابت، ولا يحتاجون حينئذ لاعتناقه إلا إلى حسن الإرادة والقصد، فإذا كان لهم هذا أيضا صاروا آلهة.
فاختلاف الناس في الحق ليس لأن الحق غير موجود، أو غير مطلق، أو هو نسبي، ولا لأنه ليس سنة ثابتة ولا عامة، بل لأنهم مختلفون في الحكمة والتعقل وحسن الإرادة، فهناك أناس حكماء يفهمون الحق ولكنهم لا يريدونه كما هو، بل كما تريده شهواتهم، وهناك أناس حسنو الإرادة ويبتغون الحق، ولكنهم ضعاف الحكمة سيئو التعقل؛ فيسيئون فهمه. وهناك أنصاف آلهة حكماء حسنو التعقل والإرادة، فيفهمون الحق تماما ويعتنقونه. هكذا يختلف الناس في ادعاء الحق. •••
قبل الانتقال من هذا الموضوع لا بد من ملاحظة لدفع بعض التباسات على القارئ، لم نفرق بين الشرائع الأدبية والدينية والمدنية، باعتبار أنها مستقلة بعضها عن بعض في الحياة العملية، وإنما هي متمايزة من الوجهة الفلسفية، فكل شريعة دينية أو مدنية مشتملة على الحق والصواب إنما هي شريعة أدبية أيضا؛ كالصدق أو الأمانة مثلا، فالشرائع الثلاثة تقول: لا تكذب ولا تسرق.
فإن كان الإنسان لا يكذب خوفا من عقاب الآخرة، ولا يسرق خوفا من السجن؛ كان طائعا الشريعتين الدينية والمدنية، ولكنه لا يعد إنسانا أدبيا، ولا يكون ذا شخصية إنسانية كاملة حين يرتدع لهذا الغرض، وإنما إذا كان يصدق ولا يسرق فلأنه ينفر من الكذب والسرقة، ويستلذ الصدق والأمانة لا لأنه يخاف العقاب؛ فهو إذن إنسان أدبي ذو شخصية أدبية كاملة. (2) قاعدة الحقوق والواجبات القومية (2-1) تعارض الحقوق والواجبات الفردية القومية
رأيت فيما سبق أنه قد يعرض للضمير وجهان في قضية واحدة، أو يتعارض حقان في سلوك واحد، فيختلط على الضمير أمرهما، مثال ذلك: أن فئات العمال الأوروبية تجحد الحرب، وتنشر دعاية لشجب كل حرب، ولكن لما شبت الحرب العظمى تطوع قسم منهم أو انتظموا في سلك الجندية عن رضى، بدعوى أن الدفاع عن الوطن حق، والقسم الآخر بقوا يشجبون الحرب، فهل الصواب واحد، أو متعدد، أو مختلف الوجوه؟ والجواب أن الحق نسبي في الجماعات كما سيتضح لك فيما يلي.
سترى في فصل آخر عن الحياة الإنسانية الأدبية أن قاعدة الحق والصواب هي الحرص على المثل الأعلى؛ فكل سلوك يتجه إلى المثل الأعلى هو صواب. والمثل الأعلى هو هدف الرقي الذي ترمي إليه الحياة الإنسانية. والحياة الإنسانية الصاعدة في سلم الرقي إلى المثل الأعلى - في الجمال والجودة اللذين تقوم بهما السعادة - إنما هي الحياة الاجتماعية لا الحياة الفردية، وما الحياة الفردية إلا جزء منها تنال قسطها من السعادة عن يدها كما سترى في فصل آت؛ لذلك تجد مقر الصواب والحق والجيد إنما هو في الحياة الاجتماعية.
إذن لا معنى للحق والصواب في الفرد وحده إذا استطاع فرد أن يستقل بمعيشته تمام الاستقلال، كما لو عاش في عزلة بعيدا عن الناس، فلا حد لحقه ولصوابه، وله أن ينقاد لغرائزه فقط؛ إذ لا شأن له في الحياة الأدبية، ولا الحياة الأدبية متوقفة على فرد، ولا هي ذات معنى لهذا الفرد، بل هي متوقفة على الجماعة، فحيث وجدت جماعة صار للحق والصواب معنى؛ لأن خطط السلوك حينئذ يحتمل أن تحتك وتصطدم وتتقاطع؛ إذن نبتدئ قاعدة الحق أن تتأسس في الجماعة. (2-2) حقوق الأسرة والقبيلة
إن نواة الجماعة الأولى العائلة، وغرض العائلة الرئيسي الحرص على البقاء، والحرص على كل ما يمكن من السعادة، وهي لا تستطيع البقاء والحصول على السعادة إلا إذا تمتع كل أفرادها بهما، فإذا تعرض أحدهم لخطر ولم يتداركه الآخرون تعرضت العائلة للانفكاك، وبالتالي تعرض سائر الأفراد للخطر نفسه؛ إذن يجب أن يفضي سلوك كل فرد من أفراد العائلة إلى الحرص على بقائها وعلى سعادتها جميعا. وهذا الوجوب يوجب أيضا أن يكون على كل فرد واجبات، وله حقوق متكافئة، بحيث يبقى أفراد العائلة مرتبطين متضامنين.
ثم إذا تناسلت العائلة فأصبحت عدة عائلات في أسرة واحدة نشأ حقل آخر للحقوق والواجبات بين عائلات الأسرة ترتبط فيها العائلات وتتضامن، وبقدر محافظتها على هذه الحقوق والواجبات تضمن بقاءها وسعادتها. وأقل تغرض أو تحيز أو تشيع أو غبن في الحقوق بين العائلات يعرضها للانفكاك، وبالتالي يعرض بقاءها وسعادتها للخطر.
هنا صار عندنا حقلان من الحقوق والواجبات: حقل أدنى؛ وهو حقل العائلة، وحقل أعلى منه، وهو حقل الأسرة. ويحتمل كثيرا أن يتضارب الحقلان، يحتمل جدا أن يصطدم حق العائلة بحق الأسرة. قد يهمل رب العائلة قسما من واجباته عن عائلته لكي يقوم بواجبه نحو الأسرة، كأن يترك زراعته أو ماشيته لينضم إلى رجال الأسرة في الدفاع عن الأسرة كلها، أو قد يضطر أن يقدم بعض مورد رزقه لبيت المال لكي ينفق على مصالح الأسرة، أو العشيرة، أو القبيلة، إذا انضمت بعض أسرات لبعض، وبذلك يكون قد حرم أسرته أو عائلته بعض ذلك الرزق.
Página desconocida