Ciencia de la Ética Psicológica: Principios de Filosofía Literaria
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Géneros
خذ مثلا لغة التفاهم بين الناس والحيوانات العليا، فإنما هي ابتكار الحياة الدماغية، وقد تغلب بها الحي على المسافات بحيث يتصل عقل بعقل عن بعد.
ثم خذ المتون التي تمطيها اللغة كالكتابة والقراءة والطباعة، فقد تغلب بها الإنسان على الزمان، وصار في وسع عقول الخلف أن تتصل بعقول السلف، ثم أضف إلى ذلك ما جد من أدوات النقل والنسخ؛ كالتراسل على أجنحة الأثير، وكحفظ الأصوات على الأقراص الفوتوغرافية، وحفظ الرسوم والصور في الألواح والأوراق، تجد أن العقل البشري الذي هو عالم فوق المادة قد ابتدع عوالم جديدة ليس في العالم الجمادي إلا مادتها فقط، وأما صورها والقوة المنبعثة فيها فإنما هي من ابتكاره.
وإذا عطفت على هذا الفن الجميل وجدت هناك عالما آخر أعجب وأعلى قد ابتدعه العقل البشري ابتداعا، وليس منه في الطبيعة سوى مادته فقط؛ فالموسيقى والمجاز الشعري والتمثيل والرسم التخيلي وجميع أنواع الزخرفة إنما هي عوالم محدثة لم يكن لها أثر في الطبيعة قبل أن ينضج العالم العقلي.
وأغرب من ذلك وأعجب عالم الرياضيات المجردة؛ فقد أصبح هذا النوع من العلوم عالما عظيما واسعا كاتساع الفضاء، وكلما اتسع ظهر أنه غير محدود. فهذا عالم لا أصل له في الطبيعة على الإطلاق، وإنما هو من مستنبطات العقل البشري، ولا وجود له إلا في مخيلاته المجردة. (2-5) نزعة الإنسان إلى المثل الأعلى أعلت مكانته في الطبيعة
فلو كان التطور مجرد تصاقب الحي مع البيئة فقط لبقي الحي المتصاقب مع بيئته إلى الأبد كما هو، ولا يتغير إلا حين تتغير البيئة، ولا يتغير إلا بحسبها، ولكن للحي غاية يرمي إليها في تصاقبه مع البيئة الخارجية - غير لذة الوئام مع البيئة كما يقول سبنسر - وهي التفوق على الطبيعة في تكييف القوة، ورشاقة حركاتها وتنوعها، وفي تكييف الشكل وتركيب أجزائه.
وهو ما يحسبه الحي أفضل أو أجود أو أحسن أو أجمل مما وجده في الطبيعة. وهذه الغاية نتيجة نزعة فيه لا ننكر أنه ورثها من جوهر الطبيعة المادية التي ولدته أو اشتق منها، وإنما استقوت فيه، وبهذه النزعة انفرد عن مادة الطبيعة المادية، وبها يدرب تصاقبه مع البيئة، فتارة يصاقب البيئة، وأخرى يؤثر فيها فيجعلها تصاقبه.
ولولا هذه النزعة لما كان إلا خاضعا للبيئة، ولا تأثير له فيها. وبتدريبه عملية التصاقب هذه على هذا النحو تطور صاعدا في سلم الرقي إلى أن بلغ ما بلغ إليه منه الآن، حتى كاد يسيطر على البيئة سيطرة تامة، وقلما تسيطر هي عليه.
فهذه الغاية، غاية التفوق على الطبيعة في الجمال الشكلي والقوة المتلاعبة إنما هي المثل الأعلى الذي تتجه إليه تلك النزعة التي اقتنصها الحي من الطبيعة الجمادية منذ تميز عنها. (2-6) ابتداع العالم العقلي عوالم أخرى
رأيت فيما تقدم أن العالم العقلي إنما هو درجة تطورية عليا ابتدعها الجهاز العصبي في الحي، ثم أن العالم الاجتماعي الذي تشيد على أساس التفاهم هو درجة تطورية أخرى أعلى ابتداعها العالم العقلي، ثم انضم إليها فتعاونا في ترقية العقلية والاجتماعية معا، ثم إن العالمين الرياضي والفني هما درجة تطورية ثالثة أعلى أيضا ابتدعها العالمان العقلي والاجتماعي معا، فماذا بعد هذه العوالم؟
بعدها نجد العالم الأدبي الذي هو في درجة من الرقي أعلى من العوالم الثلاثة الآنفة الذكر، وقد ابتدعته هي ابتغاء للكمال في الجمال، أو سعيا إلى المثل الأعلى في الجمال. فصوغ الشخصية الإنسانية بقالب الفضيلة وسجية إحقاق الحق إنما هو درجة أعلى من درجة صياغته العقلية بقالب الروح الموسيقية أو الشعرية إلخ؛ لأن هذه الصياغة لا تزال متصلة بالمادة أو قريبة منها. وأما الصياغة الأدبية فقد بعدت عن المادة، فالجمال الأدبي إذن أعلى وأرقى من الجمال الفني؛ إذن إلى الآن الغاية الأدبية هي مثل الإنسان الأعلى في الجمال.
Página desconocida