من اعتقد الدليل، أو ظنه على الوجه الذي يدل - وان لم يكن عالما به - جاز منه فعل النظر، وان لم يولد (1) * العلم. وإنما قلنا انه متى لم يكن عالما، لا يولد نظره العلم، لأنه إذا لم يكن عالما بالدليل على الوجه الذي يدل عليه، جوز ألا (2) يكون دليلا (3) على الوجه الذي يدل، فكيف يجوز حصول العلم عن الدليل مع تجويز ما قلناه فيه؟
والنظر في الدليل من الوجه الذي يدل يوجب العلم، لأنه يكثر بكثرته، ويقل بقلته، ولأنه يقع العلم عنده مطابقا لما يطلبه بالدليل، ألا ترى ان من نظر في صحة العقل من زيد لا يصح أن يقع له العلم بان عمرا قادر، وكذلك من نظر في أحكام الفعل، لا يصح أن يقع له العلم بالهندسة وغيرها، فعلم بوجوب هذه المطابقة انه متولد عن (4) النظر.
والنظر لا يولد الجهل (5) * على وجه، لأنه لو ولده لم يخل أن يكون النظر في الدليل يولده، أو النظر في الشبهة. ولا يجوز أن يولد النظر في الدليل الجهل، لأنا قد بينا ان النظر في الدليل يولد العلم، ولا يجوز في شئ أن يولد الشئ وضده. ولو ولد النظر في الشبهة الجهل، لكان يجب كل من نظر فيها أن يولد له الجهل، كما أن كل من نظر في الدليل ولد له العلم. ونحن نعلم انا ننظر في شبه (6) المخالفين فلا يتولد لنا
Página 22