La moraleja de la historia
عبرة التاريخ
Géneros
ولكن الإنسان بطبيعته ميال إلى صالح نفسه، فجلالة السلطان إذا رأى مثلا أن فتح بولاندا لا يكلفه إلا القليل من المال والرجال ما دمتم أنتم مساعديه؛ ليخلصكم من رق واستعباد فهو لا يرفض ذلك أبدا، ونحن إن هاجمنا فإنما نهاجم لصالحكم؛ فلا يصح أن ننصب ونتعب وأنتم على مهاد من الراحة نائمين.
فأفصح لي عن مواضع الضعف فيكم، عن حصونكم وأحوالها، عن عدد جنودكم، عن قوادكم المشاهير، حتى ندبر للأمر عدته ونحارب على بينة.
وهنا لو دخل عليهما ثالث، وحقق النظر إلى وجهه القوزاقي لعجب من منظره، فإنه كان أحمر الوجه بدرجة غير محدودة، وذلك إنما لأنه كان يخون وطنه، ويلقى بأسراره إلى غريب لا يحق له أن يطلع عليها، ولكنه في هذه الحالة يبوح مضطرا بحكم المعاملة التي يلقاها في بلاده.
وبعد دقائق معدودات رفع القوزاقي رأسه وقد ألقى إلى الوزير الكبير كل ما أراده، ثم تابع حديثه، وقال: وإني أحذر سيدي الوزير من نائب حر اسمه سوبيسكي، شديد الغيرة على مصالح بلاده، يتنبأ له الكثيرون بأنه سوف يكون عضدا قويا لبولاندا، وينجيها من عدو سوف يقضمها بين أشداقه خضمة الإبل نبتة الربيع. - إنا سنكون على حذر أكثر من اللازم، وبعد شهر أو أقل سترى ملائكة الرحمة متقدمة جيش أمير المؤمنين الظافر، وسترون كيف ينتصر آل عثمان للعدل والحق والإنسانية.
انتهى الحديث بينهما على هذه الصفة، فقام مندوب القوزاق متمهلا إلى أن خرج، وهنا خلا الجو لذلك الرجل الكبير الذي تعلق عليه الدولة آمالها، فجلس يمعن الفكر فيما هو قادم عليه، وجعل يحدث نفسه قائلا:
أي أحمد، ألم يزل علم السعد خفاقا، وما برحت من الفائزين، وأنت يا أبي نم في قبرك مستريحا، وأنت أيتها الروح استقري في قبرك مطمئنة، واعلمي أني متبع وصيتك لا أحيد عنها أبدا، تلك الوصية التي تقول لي فيها: «إياك والركون إلى أعداء الدين، وطع في الدنيا اثنين ربك وملكك، واسع لخير أمتك ودولتك.» فأنا بإذن الله منجز وعدي، ومبلغ بدولتي مقرها الذي ينبغي أن تكون فيه.
وبولاندا لا بد من افتتاحها، وأني أرى الطريق تنفتح أمامي؛ إذ لا أسهل من افتتاح مملكة تنافر عنصراها، وانطبق عليها قول السياسي: «فرق تسد»، مملكة ضاعت أواصر المحبة والاتحاد بين أفرادها، مملكة نصرت الظلم، وطمست العدل، مملكة قبض على أزمة أمورها أمير ضعيف ونبلاء أقوياء يديرونه كما يشاءون.
وهنا دخل عليه خادم غرفته الخصوصي سعيدا منبئا أن هناك حاجبا من يلدز يستدعيه لمقابلة خليفة المسلمين؛ فقام توا ملبيا الأمر، فلندعه سائرا حيث المهابة والجلال، والخلافة الإسلامية بأسمى معانيها، ولنسر إلى بولاندا لنرى حال مملكة ضاعت وانمحت.
الفصل الثاني
الديت
Página desconocida