La moraleja de la historia
عبرة التاريخ
Géneros
من لهم بأن يتحققوا أن ملتهم هذه نشأت على هذه الفضائل التي هي أجمل وأكمل خلق السياسة حتى استحقوا بها أن يكونوا ساسة الأمم التي تحت أيديهم، ولم يوجد ذلك فيهم سدى ولا عبثا، وأن الله قد تأذن بوجوده فيهم لوجود علاماته في قبيلهم.
من يدلهم أن رجال الدين الإسلامي كانوا خير مجتمع لتأسيس قواعد الحرية والإخاء والمساواة، وأن أهله هم الذين جابوا القفار وقطعوا الأودية وركبوا ثبج البحر لفتح باب العلم والانتفاع به، وأنه لم يزهر في دولة إزهاره في دولتهم، ولم يعتز كعزته في سلطانهم، حتى تقوت حجته، وانتصر لواؤه، وأذعن الناس لقوته، وأشرقت عقولهم بنور برهانه؟
لا بد لهم من مذكر بذلك كله، ليعلم المتوسدون سرير الملك والحالمون للواء الدولة والمباشرون للأمر أنهم لم يتطاولوا لهذه المراتب عن تطفل ولم يرثوها عن كلالة، وليتحققوا أنهم أهلها، وأن الفضائل التي أخذت في الذهاب عنهم، والملك الذي صارت الأعداء ترتقب زواله من بين أيديهم إنما سببه جهلهم بتاريخ حياة قادتهم وسادتهم، وعدم علمهم بفضيلة أصولهم وعشيرتهم، ورضوخهم لمن لا يناهضهم في الشرف والنسب، وتجاذبهم حبل الفخر والمجد مع من لا يدانيهم وحبهم تقليد سواهم، واستبدالهم عوائد أممهم وأجيالهم بعوائد غيرهم.
تمهيد
خذ بيدي - أيها القارئ الكريم - شرقيا كنت أو غربيا، ولنخط خطوة واسعة في عالم الخيال، نترك في أثناءها مصر وطني وبلادي العزيزة، واهبط بنا في صميم أوروبا، ثم اصعد معي حسبما شاءت إرادتك في (بالون) أو طيارة هوائية.
دع مطيتنا ترتفع ارتفاعا هائلا في الجو حتى نتمكن من استعراض القارة الأوربية كلما نتمثلها على الخرائط الجغرافية إذا تيسر لنا كل ذلك، فالق بنظرك على ذلك العالم الشرير الذي يطلقون عليه اسم المدنية والحضارة، وابحث في مخيلتك عن اسم (بولاندا)، تلك المملكة التي كانت تتقلب في نعيم الحرية والاستقلال، فقلب لها الدهر ظهر المجن، وتركها سليبة السعادة والهناء.
أتعرف بماذا ابتليت؟
انقض عليها الدب الروسي، وفغر فاه، وازدرد ثلثها بجشعه الاستعماري، فنكل بها وجرعها كؤوس الظلم والاستعباد الأشعبي ووحشيته المتناهية.
ومن ثم انحط عليها النسر الألماني؛ فانتشل بمخالبه الحادة نصف ما تركه سابقه.
وبعد ذلك، أتعرف ماذا جرى؟ تجرأت النمسا؛ فمدت يدها الأثيمة فسلبت ما بقي من ذلك الهيكل المقدس، وراحت بولاندا التعسة ضحية أعداء الإنسانية.
Página desconocida