برترام :
لك شكري وطاعتي يا صاحب الجلالة.
الملك :
ليتني الآن سليم البدن موفور العافية كما كنت أنا وأبوك، حين جمعت المودة بيننا، نجرب لأول مرة فنون الحرب، لقد خدم طويلا في عهده وأبلى، وكان في مصاف أشجع الشجعان وامتد به العمر، ولكن الشيخوخة تسللت إلينا، كالعجوز الشمطاء في قبح صورتها، وتنكر هيئتها فأعجزتنا وأوهنت من بأسنا، وإنه ليروقني كثيرا الحديث عن أبيك الكريم، فقد كان له في شبابه هذه الفكاهة التي أراها اليوم في معاشر الشباب من أشرافنا، ولكنهم يتفكهون الآن حتى لترتد سخريتهم إليهم وهم لا يشعرون، قبل أن يستطيعوا إخفاء خفتهم في شرف البسالة، أما هو فكان مثال البلاطي الحسن فلم تكن السخرية ولا الموجدة من شيمه، ولا الحدة من خيمه، ولو بدرت يوما منه، فلا يكون ظهورها إلا أن أنداده هم الذين استثاروها فيه، وكان الشرف عنده كالساعة في دقتها، يعرف اللحظة التي يستوجب منه الغضب الكلام، فتطلق فيها لسانه، وأما الذين هم دونه فقد كان يعاملهم كأنداده، فكان ينحدر من عليائه إلى وهدتهم وينزل من أوجه إلى حضيضهم، فيجعلهم فخورين بتواضعه، مزهوين بانحناءته، وهو من مديحهم الذليل، يبدو المستحي، إن رجلا من هذا الطراز خليق بأن يكون قدوة لشباب اليوم وفتيانه، ولو اقتدوا به لأثبتوا أنهم للسلف خير خلف.
برترام :
إن طيب ذكراه يا مولاي في خاطري، وحسن أثره في تقديرك لأغلى مما هو مكتوب على قبره، وإن خير دليل على صفاته الطيبة لهو حديثك الملكي لا النقش الذي على قبره.
الملك :
ليتني كنت معه، لقد كان يقول على الدوام، وكأني الساعة أسمعه، لا ينثر كلماته السديدة نثرا في الأسماع، بل يغرسها، لتنمو حيث غرسها وتؤتي ثمارها، لا أود أن تطول حياتي - كان يقولها بعد أن يستمتع ببعض اللهو ويكتئب لذهاب عهد عبثه، لا أود أن تطول بي الحياة، بعد أن تخبو جذوة العمر، وينفذ الزيت من السراج، حتى يسخر مني الشباب، ويأنف مني الفتيان، الذين يحتقرون كل شيء، إلا ما كان جديدا، والذين لا يقدرون على شيء إلا ابتداع الثياب، وابتكار المطارف، ويذهب الوفاء عندهم قبل أن تتوارى الأزياء، هذا هو ما كان يتمناه، وهو ما أتمناه أيضا بعد، وما دمت متعطلا لا أخرج شمعا ولا شهدا، فليتني من خليتي الراحل المسرع، لأفسح مكانا لبعض العاملين والمنتجين.
الشريف الأول :
إنك محبوب يا مولاي، والذين هم أقل من سواهم حبا لك، سيكونون أول من يفتقدونك، ويعز عليهم ذهابك.
Página desconocida