56

Lágrimas

العبرات

Editorial

دار الهدى الوطنية للطباعة والنشر والتوزيع

Ubicación del editor

بيروت - لبنان

حَيَاته إِلَّا أَنْ يَرَى غَرْنَاطَة سَاعَة مِنْ زَمَان يَشْفِي بِهَا غَلَّة نَفْسه ثُمَّ لِيَصْنَع اَلدَّهْر بِهِ بَعْد ذَلِكَ مَا يَشَاء. وَكَانَ كُلَّمَا هُمْ بِالذَّهَابِ إِلَيْهَا قَعَدَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ وَرَاءَهُ عَجُوزًا مِنْ أَهْله مَرِيضَة وَمَا كَانَ يَسْتَطِيع أَنْ يَتْرُكهَا وَلَا يَجِد مَنْ يَعْتَمِد عَلَيْهِ فِي اَلْقِيَام بِشَأْنِهَا حَتَّى وَافَاهَا أَجْلهَا فَرَكْب اَلْبَحْر مِنْ سبتة إِلَى شَاطِئ ملقة ثُمَّ اِنْحَدَرَ مِنْهَا إِلَى غَرْنَاطَة مُتَنَكِّرًا فِي ثَوْب طَبِيب عَرَبِيّ مِنْ أَطِبَّاء اَلْأَعْشَاب بِتَقَبُّل فِي جيال اَلْأَنْدَلُس وَسُهُولهَا حَتَّى بَلَغَ ضَاحِيَتهَا سَاعَة اَلْأَصِيل فَوَقَفَ عَلَى هَضْبَة مِنْ هِضَاب جَبَل اَلثَّلْج فَرَأَى اَلْأَمْوَال تَنْزَلِق عَنْهُ فِي هُدُوء وَسُكُون كَأَنَّهَا فَوْق سَطْحه اَللَّامِع اَلْمُتَلَأْلِئ قَمِيص مِنْ اَلنُّور أَوْ قُبَّة مِنْ اَلْبَلُّور حَتَّى تَصِل إِلَى سَفْحه فَإِذَا هِيَ حَيَّات بَيْضَاء مَذْعُورَة تَنْبَعِث هَهُنَا وَهَهُنَا لَا هُمْ إِلَّا اَلنَّجَاة مِنْ يَد مُطَارِدهَا حَتَّى تَعْثُر بِجَدْوَل مَاء فِي طَرِيقهَا فَتُدَعِّم فِيهِ وَتَنْسَاب فِي أَحْشَائِهِ. ثُمَّ اِلْتَفَتَ إِلَى اَلْمَدَنِيَّة فَرَأَى عَلَى اَلْبُعْد أَبْرَاجهَا العقيقية اَلْحَمْرَاء وَقِبَابهَا لِعَالِيَة اَلشَّمَّاء وَمَآذِنهَا اَلذَّاهِبَة فِي جَوّ اَلسَّمَاء فَوَقَفَ أَمَام هَذَا اَلْمَنْظَر اَلْجَلِيل اَلْمَهِيب مَوْقِف اَلْخَاشِع المتخضع وَضَمَّ إِحْدَى يَدَيْهِ إِلَى اَلْأُخْرَى وَوَضْعهَا عَلَى صَدْره كَأَنَّمَا هُوَ قَائِم أَمَام اَلْمِحْرَاب يُؤَدِّي صِلَاته وَلَبِثَ عَلَى ذَلِكَ بُرْهَة ثُمَّ صَاحَ بِصَوْت عَالٍ رَدَدْته اَلْغَابَات والحرجات يَقُول. هَدَّا مِيرَاث آبَائِي وَأَجْدَادِي لَمْ يَبْقَ لِي مِنْهُ إِلَّا وَقْفَة بَيْن يَدَيْهِ كَوَقْفَة الثاكل المفجوع بَيْن أَيْدِي اَلْأَطْلَال البوالي وَالْآثَار الدوارس. هَذِهِ مَضَاجِعهمْ يَنَام فِيهَا أَعْدَاؤُهُمْ وَهُمْ لَا مَضَاجِع لَهُمْ

1 / 60