Charles Darwin: Su vida y cartas (Parte Uno): Con un capítulo autobiográfico por Charles Darwin
تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
Géneros
لا شك أنه كان أكثر الممرضين صبرا وأقدرهم على بعث البهجة. إنني أتذكر ما كان يبدو لي ملاذا من الأمان والراحة حين يصيبني المرض؛ إذ أتدثر على الأريكة في غرفة مكتبه بينما أتطلع بتراخ إلى الخريطة الجيولوجية القديمة المعلقة على الحائط. لا بد أن ذلك كان في أثناء وقت عمله؛ إذ إنني أرى صورته في ذهني دوما وهو جالس على الكرسي ذي الذراعين المصنوع من شعر الخيل، بجوار ركن المدفأة.
ومن الدلائل الأخرى على ما كان يتسم به من صبر لا متناه، هو رد فعله حينما كنا نشن غارات على غرفة المكتب عندما نكون في حاجة ملحة للحصول على شريط طبي لاصق أو خيط أو دبابيس أو مقص أو طوابع أو مسطرة قدمية أو مطرقة. كانت غرفة المكتب لا تخلو من هذه وغيرها من الأغراض الضرورية، وهي المكان الوحيد الذي كنا نعرف يقينا أننا سنجد فيه هذه الأغراض. وقد كنا نشعر أنه ليس من الصواب أن ندخلها في أوقات العمل، لكننا كنا نفعل أحيانا إن كانت الحاجة لذلك ملحة للغاية . وأنا أتذكر نظرته الصبورة حين قال ذات مرة: «لا تظني أنه لا يمكنك الدخول مجددا، لقد قوطعت كثيرا من قبل.» كنا نرهب الدخول للحصول على شريط طبي لاصق، ذلك أنه كان يكره أن يرانا وقد جرحنا أنفسنا، لخوفه علينا ولحساسيته الشديدة لرؤية الدم كذلك. وأنا أتذكر جيدا بقائي مترصدة في الممر حتى يصبح هو على بعد مسافة آمنة؛ فأذهب خلسة للحصول على الشريط الطبي اللاصق.
حين أعيد النظر في حياتنا، يبدو لي أنها كانت منتظمة للغاية في هذه الفترة المبكرة، وباستثناء الأقارب (وعدد قليل من الأصدقاء المقربين)، فإنني لا أعتقد أن أحدا كان يأتي إلى المنزل. وبعد تلقي الدروس، كان يسمح لنا دائما بالذهاب حيثما نريد، وغالبا ما كنا نذهب إلى غرفة الاستقبال والحديقة، وذلك حتى نكون بالقرب من أبي وأمي كليهما. لقد كنا نستمتع كثيرا حين كان يحكي لنا قصصا عن رحلة «البيجل» أو عن أيامه المبكرة في شروزبيري؛ مثل قصصه عن أيام المدرسة وعن اهتماماته في فترة الصبا. وفي بعض الأحيان أيضا، كان يقرأ على أطفاله بعض الكتب مثل روايات سكوت، وأتذكر أيضا بضع محاضرات عن المحرك البخاري.
لقد كنت مريضة بعض الشيء على مدى خمس سنوات في الفترة بين سن الثالثة عشرة والثامنة عشرة، وعلى مدى فترة طويلة للغاية (أظن أنها قد امتدت لسنوات)، اعتاد أن يلعب معي كل عصر جولتين من لعبة الطاولة. وقد كان يلعب معي بحماس شديد، وأتذكر أننا اعتدنا في وقت من الأوقات على الاحتفاظ بسجل للجولات التي فاز بها كل منا؛ ولما كان هذا السجل في صالحه، فقد احتفظنا بقائمة للمرات التي حصل فيها كل منا على رقمين متماثلين على النرد؛ إذ كنت مقتنعة بأنه أفضل مني في رمي النرد.
كان صبره وتعاطفه لا حدود لهما في هذه الفترة المرهقة من المرض، وعندما كان المرض يشتد علي أحيانا، كنت أشعر أن تعاطفه عميق للغاية. وحين كانت حالتي تسوء للغاية، كنا نذهب إلى بيت عمتي في هارتفيلد، في ساسيكس، وفور وصولنا بأمان، كان يذهب إلى مور بارك لقضاء أسبوعين في مصحة العلاج المائي. إنني أتذكر الآن كيف أنني ما كنت أتحمل وجوده في غرفتي بعد عودته؛ فقد كان تعبير وجهه الذي يفيض بالمشاعر والتعاطف الرقيق، يثير مشاعري للغاية، إذ كان يتجدد بعد غيابه القصير.
كان يهتم بجميع مساعينا واهتماماتنا، وقد كان يشاركنا حياتنا بطريقة قلما يفعلها الآباء. لكنني على يقين أن أحدا منا لم يشعر أن مثل هذه الحميمية تتدخل بأقل قدر مع احترامنا أو طاعتنا له؛ فجميع ما كان يقوله، كان يمثل حقيقة وقانونا لنا. وكان دائما يولي ذهنه كليا للإجابة عن أي من أسئلتنا. وقد أدركت من إحدى المناسبات التافهة مقدار اهتمامه بما كنا نهتم به؛ فهو لم يكن يحب القطط كثيرا، رغم أنه كان محبا لما تفعله القطط الصغيرة من أمور لطيفة. بالرغم من ذلك، فقد كان يعرف جميع ما يتعلق بقططي العديدة ويتذكرها، وكان يستطيع التحدث عن عادات القطط المميزة منها، وكذلك طباعها حتى بعد موتها بسنوات.
ومن الصفات الأخرى التي كان يتسم بها في معاملته لأطفاله، احترامه لحريتهم وشخصيتهم، وأتذكر أنني كنت أستمتع بهذا الإحساس بالحرية، حتى وأنا ما زلت طفلة صغيرة. لم يكن أبي وأمي يرغبان حتى في معرفة ما نفعله أو نفكر فيه ما لم نرغب نحن في إخبارهما. لقد كان أبي يشعرنا دوما بأن كلا منا كيان له آراؤه وأفكاره التي يقدرها هو؛ لذا فإن أفضل ما فينا كان يتجلى في سماء حضوره.
لا أعتقد أن مبالغته في تقدير صفاتنا الجيدة، من الناحية الفكرية أو الأخلاقية، قد جعلنا متكبرين، كما قد يتوقع البعض، بل زادنا تواضعا وامتنانا له. والسبب في ذلك بلا شك هو أن التأثير الذي كانت تخلفه فينا طباعه وطبيعته العظيمة وإخلاصه، كان أدوم وأعمق من أي قدر يسير من إعلاء الذات كان من الممكن أن يتسبب فيه مدحه لنا أو ثناؤه علينا.
وأما بصفته سيد المنزل، فقد كان يحظى بالحب والاحترام من جميع الخدم؛ لقد كان يتحدث إليهم دائما باحترام، مستخدما عبارة «هلا تكرمت» حين يطلب من أحدهم القيام بأي شيء. ونادرا ما كان يغضب من أحد الخدم، ومما يدل على ندرة ذلك أنني سمعته ذات مرة حين كنت صغيرا يوبخ أحد الخدم ويتحدث إليه بغضب؛ فشعرت بأنه أمر مروع، وأتذكر أنني عدوت هاربا إلى أعلى إذ ترك ذلك عندي إحساسا عاما بالرهبة. لم يكن يشغل نفسه برعاية الحديقة والأبقار وما إلى ذلك، وكان يعتبر أنه مسئول عن الخيول بدرجة طفيفة للغاية؛ حتى إنه كان يتساءل بتشكك عما إذا كان بإمكانه أن يحصل على حصان وعربة ليرسلهما إلى كيستون لإحضار بعض نباتات الندية أو إلى مشاتل ويسترام طلبا لبعض النباتات أو ما شابه.
وأما فيما يتعلق بالضيافة، فقد كان أبي يتمتع بجاذبية خاصة كمضيف: لقد كان حضور الزائرين يبعث فيه الحماس ويظهر أفضل ما فيه. لقد كان يقول دوما عن منزل شروزبيري إن والده كان يرى أنه يجب العناية بالضيوف، وهو يتحدث في أحد خطاباته إلى فوكس عن استحالة كتابة خطاب بينما المنزل مليء بالضيوف. وأعتقد أنه دائما ما كان يشعر بشيء من عدم الارتياح لعدم قدرته على الترفيه عن ضيوفه والترحيب بهم بدرجة أكبر، لكن النتيجة كانت جيدة؛ فللتعويض عن أي خسارة، فقد كان المغنم أن الضيوف كانوا يشعرون بكامل الحرية في التصرف كما يحلو لهم. كان الضيوف المألوفون لدينا تماما هم الذين يبقون من يوم السبت إلى الاثنين، وأما من كانوا يقيمون لفترة أطول، فقد كانوا عادة من الأقارب، وكان ينظر إليهم على أنهم مسئولية أمي بدرجة أكبر.
Página desconocida