Charles Darwin: Su vida y cartas (Parte Uno): Con un capítulo autobiográfico por Charles Darwin
تشارلز داروين: حياته وخطاباته (الجزء الأول): مع فصل سيرة ذاتية بقلم تشارلز داروين
Géneros
وحين أعيد النظر بقدر استطاعتي في شخصيتي خلال فترة الدراسة، أجد أن الصفات الوحيدة التي كنت أتمتع بها في تلك الفترة والتي تبشر بمستقبل جيد، كانت تعدد اهتماماتي وشغفي بها؛ وامتلاكي لحماس كبير لما يثير اهتمامي؛ وإيجادي لسرور كبير في فهم أي أمر أو موضوع معقد. لقد تعلمت حساب إقليدس على يد معلم خاص، وأنا أتذكر جيدا ذلك الشعور الغامر بالرضا الذي منحتني إياه البراهين الهندسية الواضحة. وأتذكر بالوضوح نفسه، مدى السرور الذي شعرت به حين شرح لي عمي (والد فرانسيس جالتون) الفكرة الأساسية لورنية مقياس الضغط الجوي. وأما عن اهتماماتي الأخرى بعيدا عن العلوم، فقد كنت مولعا بقراءة مختلف الكتب، وقد اعتدت على الجلوس لساعات طويلة أقرأ فيها المسرحيات التاريخية لشكسبير، وقد كان ذلك عادة في نافذة قديمة بالجدران السميكة للمدرسة. وقد قرأت أيضا غير ذلك من الشعر مثل «الفصول» لتومسون وكذلك قصائد بايرون وسكوت، التي كانت قد نشرت حديثا. وأنا أذكر ذلك لأنني مع الأسف الشديد، وفي مرحلة لاحقة من حياتي، لم أعد أجد أي متعة في قراءة الشعر من أي نوع، بما في ذلك شعر شكسبير. وبخصوص الاستمتاع بالشعر، فيمكنني أن أضيف أيضا أنه في عام 1822، شعرت ولأول مرة بالاستمتاع الشديد بمشاهدة الطبيعة؛ إذ كنت في جولة بالخيول على حدود ويلز، وقد استمر هذا الشعور لفترة أطول من أي شعور مماثل متعلق بمتعة جمالية أخرى.
في بداية أيامي بالمدرسة، كان أحد الفتيان يقتني نسخة من كتاب «عجائب العالم»، وكثيرا ما كنت أقرأ فيه وأختلف مع الصبيان الآخرين بشأن صحة بعض المزاعم الواردة فيه، وأعتقد أن هذا الكتاب هو أول ما أثار في الرغبة في السفر إلى بلاد بعيدة، وهو ما تحقق بعد ذلك من خلال رحلة «البيجل». وفي الفترة الأخيرة من حياتي المدرسية، أصبحت مولعا للغاية بالصيد؛ فأنا لا أعتقد أن أحدا قد أبدى حماسا لأهم القضايا وأقدسها، أكثر مما أبديت من حماس نحو صيد الطيور. ولكم أتذكر بدقة تلك المرة الأولى التي اقتنصت فيها أول طائر شنقب، ولقد كان تأثري وحماسي عظيمين حتى إنني وجدت صعوبة كبيرة في تعبئة البندقية مجددا، من أثر ارتعاش يدي. ولقد استمر معي هذا الاهتمام بالصيد على مدى فترة طويلة، وأصبحت بارعا فيه. وحين كنت في كامبريدج، اعتدت أن أتمرن على رفع بندقيتي على كتفي أمام المرآة كي أتأكد من أنني أرفعها باستقامة، وأما الخطة الأخرى وهي الأفضل، فقد كانت أن أطلب من صديق لي أن يلوح بشمعة مضاءة، ثم أصوب نحوها مع تغطية فونية البندقية بكبسولة تفجير، وإذا كانت الإصابة دقيقة، فإن نفحة الهواء الخفيفة ستطفئ الشمعة. كان انفجار الكبسولة يصدر صوت طقطقة حادة، وقد سمعت بأن المشرف المدرسي قد علق على ذلك ذات يوم قائلا: «يا له من أمر غريب! إذ يبدو أن السيد داروين يقضي ساعات طويلة في قرقعة سوط في غرفته، إذ غالبا ما أسمع صوت هذه القرقعة حين أمر من تحت نوافذ غرفته.»
كان لدي العديد من الأصدقاء من صبيان المدرسة، وقد كنت أحبهم حبا جما، وأعتقد أن الود كان يغلب على طباعي في ذلك الوقت.
وأما بالنسبة إلى العلوم، فقد واصلت جمع المعادن بحماس كبير، غير أنني لم أتبع في ذلك أي طريقة علمية؛ كل ما كنت أهتم به هو العثور على معدن حديث «التسمية»، ونادرا ما كنت أحاول تصنيف ما أجمع. ولا بد أنني كنت أراقب الحشرات ببعض الاهتمام؛ فعندما كنت في العاشرة (1819)، قضيت ثلاثة أسابيع في بلاس إدواردز على ساحل البحر في ويلز، وقد كنت مهتما للغاية ومندهشا كذلك عندما رأيت حشرة كبيرة من نصفيات الجناح تجمع بين اللونين الأسود والقرمزي، وكذلك الكثير من حشرات العث (البزيات)، وخنفسة نمرية، وهي حشرات لا توجد في شروبشاير. وكنت قد نويت أن أبدأ في تجميع كل ما أجده من الحشرات الميتة؛ إذ إنني قد استشرت أختي وتوصلت إلى أنه ليس من الصواب أن يقتل المرء حشرة من أجل امتلاك تشكيلة من الحشرات. وعندما قرأت كتاب «سيلبورن» لوايت، استمتعت كثيرا بمراقبة عادات الطيور، وكتبت حتى بعض الملاحظات عن الموضوع. ومن سذاجتي، كنت أتعجب من أن كل الرجال الأفاضل لم يصيروا من المختصين في علم الطيور.
وقرب نهاية فترة المدرسة، بدأ أخي يعمل بجد في مجال الكيمياء، وأسس مختبرا جيدا في مستودع الأدوات بالحديقة وجهزه بالأجهزة المناسبة، وكان يسمح لي بمساعدته في معظم التجارب. لقد حضر الغازات جميعها والعديد من المركبات، أما أنا، فقد قرأت بعناية شديدة عدة كتب عن الكيمياء مثل «مختصر مبادئ الكيمياء» لهنري وباركس. وقد أثار الموضوع اهتمامي بدرجة كبيرة، وكثيرا ما كنا نستمر في العمل حتى وقت متأخر من الليل. كان ذلك هو الجزء الأفضل مما حظيت به من تعليم في فترة المدرسة؛ إذ تعرفت منه عمليا على معنى العلوم التجريبية. وبطريقة ما، ذاع عنا في المدرسة أننا نعمل في الكيمياء؛ ولأنها كانت واقعة غير مسبوقة، فقد لقبوني باللقب «غاز». وكذلك قد عنفني المدير الدكتور باتلر على الملأ ذات يوم؛ إذ كان يرى بأني أهدر وقتي في مثل هذه الموضوعات العديمة الجدوى، كما أنه قد نعتني ظلما ب «المستهتر»؛ ولما لم أفهم ما كان يعنيه، فقد بدا لي أنه زجر مرعب.
ولأنني لم أكن أبلي بلاء حسنا في المدرسة، فقد تصرف أبي بحكمة وأخرجني منها في سن أصغر من المعتادة، وبعثني (في أكتوبر 1825) إلى جامعة إدنبرة مع أخي، وقضيت فيها عامين أو سنتين دراسيتين. كان أخي يكمل دراسته في الطب، بالرغم من أنني أعتقد أنه لم ينتو ممارسته أبدا، وقد بعثني والدي إلى هناك كي أستهل أنا دراستي الطبية. لكنني سرعان ما توصلت إلى اقتناع بعد ذلك بفترة قصيرة، كنت قد استنتجته من بعض الأمور البسيطة، بأن والدي سيترك لي قدرا جيدا من الأملاك، مما يكفيني لأحيا في بعض من الدعة والراحة، غير أنني لم أتخيل قط أن أصبح على هذه الدرجة التي أنا عليها من الثراء. وبالرغم من ذلك، فقد كان اعتقادي هذا كافيا بأن يحجم لدي أي مجهود شاق أبذله لدراسة الطب.
كان التدريس في إدنبرة يعتمد كليا على المحاضرات، وقد كان ذلك مملا بدرجة لا تحتمل، وذلك باستثناء محاضرات الكيمياء التي كان يلقيها هوب، غير أنني كنت أرى أنه لا توجد أي ميزة للمحاضرات، وإنما لها الكثير من العيوب، وذلك على عكس القراءة. محاضرات الدكتور دانكان عن المواد الدوائية في الثامنة من صباح يوم شتوي، كانت من الذكريات التي أخشى تذكرها. أما الدكتور ... فقد كان يجعل محاضراته عن تشريح الجسم البشري مملة بقدر ما كان يتسم به هو شخصيا من شخصية مملة، وقد كان ذلك الموضوع يثير تقززي. وقد اتضح لي بعد ذلك مدى الضرر الذي شهدته في حياتي عندما لم يشجعني أحد على ممارسة التشريح؛ فلكنت إذن قد تغلبت على ما كنت أعانيه من تقزز، ولأفادني ذلك في عملي المستقبلي فائدة عظيمة. لقد كان ذلك من الأضرار التي لا يمكن علاجها، إضافة إلى عدم قدرتي على الرسم. لقد حرصت أيضا على زيارة الأجنحة السريرية في المستشفى بانتظام. وقد كانت بعض الحالات تشعرني بالحزن الشديد، حتى إن بعضها ما زال يتجسد في صور حية وواضحة أمامي، لكنني لم أكن بتلك الحماقة التي تجعلني أدع مثل هذا الأمر يقلل من ذهابي إلى هناك. إنني لا أستطيع أن أفهم السبب في أن هذا الجانب من دراستي للطب لم يثر اهتمامي بدرجة أكبر؛ إذ في خلال فصل الصيف الذي سبق حضوري إلى إدنبرة، كنت قد بدأت في رعاية بعض الفقراء في شروزبيري، الذين كان أغلبهم من النساء والأطفال. كنت أكتب وصفا كاملا للحالة بقدر ما أستطيع، وأدون فيه كل الأعراض، ثم أقرؤه على والدي بصوت عال، فيقترح هو المزيد من الفحوصات وينصحني بالأدوية التي يجب أن أقدمها لهم، والتي كنت أعدها بنفسي. في إحدى الفترات، كنت أعالج ما يزيد على اثني عشر مريضا وشعرت بحماس شديد لهذا العمل. إن أبي، الذي كان أكثر العارفين بالطباع والشخصيات، قد قال إنني سأصير طبيبا ناجحا؛ أي سيكون لي من المرضى الكثيرون. لقد كان يرى أن العنصر الأساسي في النجاح هو اكتساب ثقة الناس؛ أما ما قد رآه في وأقنعه بأنه ستكون لدي تلك الملكة على اكتساب الثقة، فهذا ما لا أعرفه. كنت قد حضرت أيضا عمليتين جراحيتين في قاعة العمليات في المستشفى بإدنبرة، غير أنهما كانتا فظيعتين جدا، وإحداهما كانت تجرى لطفل، وقد اندفعت خارجا قبل أن ينتهوا منهما. ولم يحدث قط أن حضرت أي عملية جراحية بعد ذلك، وما كان لأي دافع أن يقنعني بالقيام بذلك؛ فقد كان ذلك قبل اختراع مخدر الكلوروفورم الرائع بالعديد من السنوات. ولم تبرح هاتان الحالتان خيالي لسنوات طوال.
مكث أخي عاما واحدا فقط في الجامعة؛ لذا ففي العام الثاني، كنت أتمتع بالحرية في التصرف كما يحلو لي، وقد كان ذلك لصالحي إذ أتاح لي الفرصة في التعرف على العديد من الشباب المولعين بالعلوم الطبيعية. وقد كان من بين هؤلاء، إينزوورث، الذي نشر بعد ذلك سردا لرحلاته إلى آشور؛ لقد كان عالم جيولوجيا من أعضاء جمعية فيرنر للتاريخ الطبيعي، وكان لديه بعض المعرفة بالعديد من الموضوعات. وكان منهم أيضا الدكتور كولدستريم، الذي كان يمثل نوعا مختلفا للغاية من الشباب؛ فقد كان أنيقا وتقليديا ومتدينا للغاية وعطوفا جدا، وقد نشر بعد ذلك بعض المقالات الجيدة عن علم الحيوان. وأما ثالث هؤلاء الشباب فهو هاردي، الذي أعتقد أنه كان سيصبح عالم نباتات رائعا، لكنه مات مبكرا في الهند. وآخرهم هو الدكتور جرانت، الذي كان يكبرني بعدة أعوام، لكنني لا أتذكر كيف تعرفت عليه. لقد نشر بعض المقالات الممتازة عن علم الحيوان، لكنه بعد أن عاد إلى لندن وأصبح أستاذا في كلية لندن الجامعية، لم يقم بأي إسهامات علمية، وهو الأمر الذي لم أتمكن من فهمه قط. لقد كنت أعرفه جيدا؛ فقد كان جادا وتقليديا، غير أنه كان يفيض بالحماس من تحت هذا القناع الخارجي؛ ففي إحدى المرات بينما كنا نسير معا، انفعل من فرط إعجابه بلامارك وآرائه عن التطور. أما أنا، فقد كنت أستمع إليه في اندهاش وصمت، محاولا قدر الإمكان أن أكون رأيي بحيادية ودون أي تأثير منه على عقلي. كنت قد قرأت فيما سبق كتاب «زونوميا أو قوانين الحياة العضوية» الذي كتبه جدي، والذي يحتوي على آراء مشابهة، غير أنها لم تترك أي تأثير على عقلي. ومع ذلك، فمن المحتمل أن تكون معرفتي بمثل هذه الآراء التي كانت تحظى بالقبول والثناء، في سن مبكرة نسبيا، قد مهد الأمر لقولي بها بعد ذلك في صورة مختلفة، في كتابي «أصل الأنواع». في ذلك الوقت، كنت أكن إعجابا كبيرا لكتاب «زونوميا»، لكنني بعد أن قرأته مرة ثانية بعد ذلك بفترة زمنية تتراوح بين عشرة أعوام وخمسة عشر عاما، وجدت أنه قد خذلني للغاية؛ إذ كان يحتوي على الكثير من الافتراضات مقابل نسبة صغيرة للغاية من الحقائق.
كان الدكتور جرانت والدكتور كولدستريم يهتمان اهتماما كبيرا بعلم الحيوانات البحرية، وكثيرا ما كنت أرافق الأول لجمع الحيوانات من برك المد والجزر، والتي كنت أقوم بتشريحها قدر ما أستطيع. كما أنني قد صادقت بعض الصيادين في نيوهافين، وكنت أرافق بعضهم أحيانا في صيدهم للمحار؛ ومن ثم أحصل على الكثير من العينات. لكن نظرا لأنني لم أمارس التشريح بصورة منتظمة، ولضعف المجهر الذي كنت أمتلكه، فلم تكن تلك المحاولات بالمثمرة في أغلب الأحوال. ومع ذلك، توصلت إلى اكتشاف مثير صغير، وقرأت ورقة بحثية قصيرة عن الموضوع أمام جمعية بليني للتاريخ الطبيعي، وذلك في بداية عام 1826. وقد كان هذا الاكتشاف يتمثل في أن ما يسمى ببيوض الطحلبيات من نوع فلاسترا
Flustra
Página desconocida