Solo de concierto: estudios y artículos
عزف منفرد: دراسات ومقالات
Géneros
وحين عدنا إلى الفندق في سان مورتيز، أخرجت الرقم وطلبته، ورد علي صوت رجل يتحدث بالألماني، فسألته بالإنجليزية: مستر فريدريك دورنمات؟ - يا، يا (نعم بالألمانية). - (مواصلا بالإنجليزية) أنا اسمي فلان، وأنا كاتب مسرحي مصري، وأود لقاءك ليس لحديث صحفي، ولكن لحوار حول قضايا مسرحية تشغلني وتشغل كتاب المسرح المصري والعربي، أفهمتني يا مستر دورنمات؟ - متى أستطيع أن ألقاك؟
قال كلاما بالألمانية فناولت السماعة لمرافقنا الرومانيشي مندوب البروهيلفسيا، وظل يقول: يا، يا، يا.
وأخيرا نحى السماعة جانبا وأغلق فوهتها، وقال بالإنجليزية طبعا: إن مستر دورنمات يرحب بلقائك يوم الثلاثاء القادم، في منزله بنيو شاتل، وهو يترك لك حرية اللقاء على الغداء 12 ظهرا، أو على مشروب بعد الظهر في الثالثة، فما رأيك؟ - الثالثة يوم الثلاثاء، إذن.
وقد كان.
وكان عجبي شديدا أن تم الأمر بهذه السهولة! •••
قامت مدام زويفل المسئولة عنا بترتيب كل شيء: آلة تسجيل، كاميرا، ومترجم يجيد الألمانية والإنجليزية واللغة العربية، حتى كان عليه أن يلقانا في محطة نيوشاتل للقطارات في الساعة الثانية بعد الظهر.
ومن أعظم الأشياء الموجودة في سويسرا شبكة السكك الحديدية التي تحملك إلى أي بقعة من سويسرا رغم وعورة جبالها وكثرتها وتعدد أنواعها، نوع لصعود الجبال، ونوع للسهول، ونوع دولي يحملك إلى أي مكان في أوروبا، والأهم من هذا دقتها الشديدة، وقد كان علينا مرة أن نغادر سان مورتيز ونغير القطار الذاهب إلى لوشيانو في محطة ما لا أذكر اسمها، وكنا وحدنا، وسألت مدام زويفل عبر التليفون، كيف سأعرف المحطة؟ قالت: انظر في ساعتك؛ حين تصبح السابعة وثلاث دقائق استعد للنزول؛ فالقطار يصل إلى المحطة في السابعة وأربع دقائق. وفعلا، في السابعة وأربع دقائق كنا نهبط من القطار على رصيف المحطة التي فشلت في تذكر اسمها، لكأنه نوع من التعرف على المكان بالزمان، إن صناعة الساعات لم تنشأ في سويسرا عبثا، وأنا شخصيا لدي ساعة سويسرية دقيقة لا أحتاج إليها كثيرا في مصرنا الغالية، لم أحتجها تماما إلا هناك؛ فخطأ في نصف دقيقة قد يكلفك قطارا هاما يفوتك، أو موعدا لقيام طائرة.
في الثانية تماما كان المترجم هناك، بالضبط في بوفيه الدرجة الأولى واقفا على الباب، ودون أن نتبادل كلمة كنا قد تعارفنا.
كان المطر قد بدأ يتساقط، وما إن خرجنا من باب المحطة حتى أصبح سيولا، وكان العثور على تاكسي في هذا الجو مسألة صعبة تماما، ووجدنا أن خير طريقة هي أن ننتظر مسافرا قادما بتاكسي لنأخذه، وأفلحت الطريقة، وسألنا السائق عن العنوان، فأكد أنه يعرفه، وسار بنا في شوارع خلت من المارة تقريبا، إلى أن أصبحنا نسير في شارع مواز لبحيرة نيوشاتل، وبدأ السائق يعد أرقام البيوت، وبدأ يبرطم، فكل الأرقام موجودة إلا رقم منزل دورنمات، المطر والبرد والشارع المتعرج كالجبل الملاصق له لا تلمح فيه أثرا لإنسان أو لحياة، وتصورت أن السائق سرعان ما يزهق وينفض يده ويعود بنا إلى المحطة حيث كنا، ولكن يبدو أن الرجل أخذها مسألة تحد، فمضى يطرق الأبواب؛ بعضها يفتح له ويجيب بالتأسف، وبعضها يهز رأسه علامة اللاعلم، ويروح السائق ويجيء في الشارع المتعرج الطويل، وأخيرا جدا يطرق بابا نلمح من خلفه رأسا يهتز بالمعرفة، ويعود السائق متهللا وكأنه أرشميدس، يقول: وجدتها وجدتها! وبعد دقائق نكون أخيرا أمام باب دورنمات.
فتحت لنا الباب سيدة شابة حسبتها أول الأمر زوجة دورنمات الجديدة، ولكن اتضح فيما بعد أنها «شغالة» البيت، ومن ممر ضيق نفذنا إلى حجرة واسعة منخفضة بضع درجات، وكان دورنمات جالسا إلى مكتبه، قام وتقدم ناحيتنا مرحبا، ومسلما.
Página desconocida