المفلت من العقاب في شقاء
عندئذ قلت: «أنا متفق معك وأراك على حق في قولك إن الأشرار لا يحتفظون من إنسانيتهم إلا بالمظهر الجسدي الخارجي بينما مسخت أرواحهم إلى بهائم، غير أني كنت أود لو أنهم لا يمنحون القدرة على تدمير الأخيار من الناس بضراوتهم وخبثهم.»
ف : «إنهم لم يمنحوا هذه القدرة، كما سوف أثبت لك في الوقت الملائم، ولكن بافتراض أنهم سلبوا هذه القدرة التي تعتقد أنهم منحوها، فإن عقابهم في هذه الحال سيكون أخف بكثير، قد يبدو للبعض غير معقول ولكنه الحقيقة: إن الأشرار ليكونون أكثر شقاء لو بلغوا مآربهم مما يكونون لو قصروا عن بلوغها! فإذا كان من البؤس أن ترغب في الشر فإنه لأشد بؤسا أن تقدر على فعله، وحيثما رأيت أناسا لديهم الرغبة في ارتكاب جرم ما، ولديهم القدرة على ذلك، ثم رأيتهم وقد ارتكبوه فلا بد من أنهم يعانون إذاك بؤسا مضاعفا ثلاث مرات.»
ب : «نعم أوافقك، غير أني أتمنى من كل قلبي لو أنهم يعفون من أحدها، إذ يحرمون من القدرة على اقتراف الشر.»
ف : «إنهم سيعفون أسرع مما تتمنى ومما يظنون، فليس في مدة الحياة القصيرة شيء يتأخر طويلا في حسبان العقل الخالد وإدراكه، وكثيرا ما ينقطع رجاؤهم ويخيب كيدهم العظيم بنهاية مفاجئة غير متوقعة، نهاية تضع حدا لبؤسهم على أقل تقدير، ذلك أن خبثهم هو سبب شقائهم، فيدوم شقاؤهم ما دام بؤسهم، وما أذلهم وأشقاهم في العالمين لو لم يتدخل الموت في النهاية ليضع حدا لشرهم، فإذا صح استنتاجي حول بؤس الأشرار وشقائهم، فإن الشقاء الذي يترك لحاله سيكون شقاء لا نهاية له.»
ب : «إنه استنتاج غريب وصعب قبوله، وإن كنت أراه متسقا تماما مع ما سلمنا به من قبل.»
ف : «لك حق، ولكن ذا وجد المرء بأسا في قبول نتيجة معينة فإن عليه أن يبين بوضوح؛ إما أن هناك خطأ في الافتراضات السابقة، وإما أن تسلسل القضايا لا يفضي بالضرورة إلى النتيجة المطروحة، وإلا فما دام يسلم بالمقدمات فليس من حقه على الإطلاق أن يماحك ويتمارى في النتيجة، إن ما سأقوله الآن أيضا لن يبدو أقل غرابة، ولكنه بالمثل يترتب بالضرورة على ما سلمنا به وقبلناه.»
ب : «وما هو؟»
ف : «إن الأشرار يكونون أسعد حالا لو نالوا العقاب مما لو أفلتوا من جزائهم العدل، ولست أعني الآن ما قد يجول ببالك من قبيل أن الشر يقومه العقاب ويرده إلى الجادة خوف العقاب ... إلخ، لا، إنما أرى أن هناك معنى آخر يكون به الأشرار أكثر شقاء إذا ما أفلتوا من العقاب، بعيدا عن مسألة التأثير المقوم للعقاب، وقيمته كعبرة ورادع للآخرين.»
ب : «أي معنى آخر غير هذا؟»
Página desconocida