El regreso de la muerte negra: el asesino más peligroso de todos los tiempos
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Géneros
ظهرت أهمية لوائح الحجر الصحي بوضوح في هذا الوباء. طبقت تدابير وقائية صارمة مهمة وإن لم تلق تأييدا شعبيا كبيرا عندما وصل الطاعون ميلانو في أكتوبر عام 1629، منها عزل كل من احتكوا بالمصابين، كان ثمة اعتقاد بأن هذه الممارسة سيطرت على تفشي الطاعون. لكن بحماقة حدث تراخ في تطبيق هذه اللوائح في مارس عام 1630 أثناء أحد المهرجانات الشعبية في ميلانو وعاود الطاعون الانتشار، وفي ذروته كان يموت 3500 شخص يوميا.
عانى الضحايا من حمى مفاجئة وشديدة، وكان يتكون لديهم بثرات كبيرة نتنة الرائحة، وفي بعض الأوقات يصيبهم الهذيان، وكان الصداع الشديد هو النذير المعتاد بالموت. كان يمثل نسبة كبيرة من الموتى حرفيون ورهبان من طائفة الرهبنة الكبوشية أو أفراد ممن يزاولون الكثير من الأعمال الوصائية إبان الطاعون. لم يكسر أحد مدة الحجر الصحي الموحدة التي تمتد إلى 40 يوما، وتفانى أولئك الذين عينهم مكتب الصحة العامة في أداء مهامهم، من تبخير، وحرق المراتب والملابس، وتنظيف الأرضيات وحمل الموتى بعيدا لدفنهم.
وصل الطاعون إلى ترسبيانو، وهي قرية صغيرة تبعد بضعة أميال شمال فلورنسا، في يوليو عام 1630 عن طريق رجل كان في رحلة عمل إلى مدينة بولونيا المصابة، مخترقا بذلك «طوق الحجر الصحي». كان هذا بمنزلة خرق فادح ومكلف للأرواح. في شهر أغسطس جرى تسجيل وفيات مريبة في قرية تافولا المجاورة وفي فلورنسا نفسها. أخبر أهل فلورنسا أن العدوى الكارثية ناجمة عن غضب الله، واستجابوا لذلك بمحاولة تقويم سلوكياتهم، فأقيمت القداسات في الشوارع، وكرست أصوام خاصة، وهكذا تحولت فلورنسا إلى مدينة شديد الالتزام من الناحية الأخلاقية، على الأقل إبان نوبة تفشي الطاعون. وانصاع الناس انصياعا كاملا للوائح الصحة العامة، وكان دوق توسكانا الأكبر يقوم بجولة يومية للتأكد من أن كل شخص يحصل على الطعام ويتلقى العناية المناسبة.
غالبا ما كانت معدلات الوفيات من جراء هذه الأوبئة الكبيرة في إيطاليا مرتفعة للغاية؛ إذ كانت على الأرجح تصل في المتوسط إلى 40 بالمائة من السكان، لكنها كانت تصل في بعض الأحيان إلى ما يزيد على 60 بالمائة من السكان، كما حدث في فيرونا في الفترة 1630-1631. تكبدت نابولي التي كان يصل إجمالي عدد قاطنيها إلى نحو 300 ألف نسمة خسائر في الأرواح بلغت 150 ألف نسمة عام 1656، وبلغت الوفيات في الريف المحيط نحو 66 بالمائة من السكان. دامت هذه الأوبئة لمدة تراوحت ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام في المدن الكبرى قبل أن تخمد، ربما بسبب المناخ الأكثر دفئا في الشتاء ومطلع الربيع، مع أنه كان لا يزال هناك انخفاض في عدد الوفيات أثناء الأشهر الأكثر برودة. (3) شبه الجزيرة الإيبيرية: وصول المرض بحرا
تفصل جبال البرانس إسبانيا عن بقية أوروبا، وتختلف قصة الطواعين هناك تماما عما رأيناه في فرنسا، فمع أن عدد الوفيات ظل مرعبا، فإن الأوبئة كانت أقل تكرارا في إسبانيا والبرتغال، وفي آخر المطاف اندثر سكان كلا البلدين عن بكرة أبيهما، حيث إن نوبة التفشي التالية حدثت نتيجة لوصول مصابين عبر البحار. لطالما سعت السلطات الإسبانية دائما إلى تحديد مصدر أي وباء، وعادة ما كانت تشير بأصابع الاتهام (كما رأينا من قبل) إلى جنود أو مسافرين وصلوا مؤخرا من الخارج. وفي بعض المواقف كانت تشتبه في شحنة بضائع مستوردة، وفي أغلب الأحيان، كانت أطقم السفن والمسافرون هم المصابون بالعدوى فعليا.
بعد الموت الأسود، كان هناك العديد من نوبات التفشي المحلية العنيفة في إسبانيا والبرتغال، لكن منذ عام 1506 حتى عام 1652، لم يكن قد انتشر سوى أربعة أوبئة كبيرة. ولم يصل المرض بصفة عامة، كما سيتضح، عن طريق أناس يسافرون بالقرب من الحافة الشرقية لجبال البرانس من مدينة أربونة، ولكن عن طريق أولئك المسافرين بالقوارب. تقع نقاط ضعف إسبانيا في الموانئ البحرية؛ فقد كانت عرضة للخطر لأن لشبونة في البرتغال وإشبيلية في منطقة أندلوسيا في جنوب إسبانيا كانتا مركزين رئيسيين للتجارة الدولية، وكانتا نقطتي دخول عامتين للوباء.
تعد إشبيلية بالنسبة لمعظم الناس هي قلب إسبانيا في الرومانسية والفنون، ومسقط رأس شخصية دون خوان الأسطورية وشخصية كيجارو في أوبرا حلاق إشبيلية، وهي محل ميلاد كل من الرسامين دييجو فيلاثكيت وبارتولومي موريللو، ويقع على أحد أجناب حديقة ماريا لويزا مصنع السجائر، حيث عملت كارمن، بطلة الأوبرا التي سميت باسمها.
على مدار 2000 عام، كانت إشبيلية ميناء على المنبع الصالح للملاحة لنهر الوادي الكبير، وسوقا عملاقا لنهر الوادي الكبير، ومفترق طرق بين شمال وغرب شبه الجزيرة الإيبيرية. كان عام 1492 مهما في تاريخ إسبانيا، فقد شهد الجلاء النهائي للمورسكيين، وهم السكان المسلمون لشبه الجزيرة الإيبيرية، واتحاد إسبانيا تحت عرش واحد، واكتشاف أمريكا، فقد أبحر كولومبوس لدى عودته من رحلته الأولى إلى إشبيلية يوم أحد الشعانين عام 1493 منتصرا حاملا معه طيورا ونباتات غريبة، وهنودا «لم ير مثلهم في أوروبا من قبل قط». ويدعي أهل إشبيلية أن كولومبوس المكتشف قد خطط رحلتيه الثالثة والرابعة من المدينة، ويمكن مشاهدة مقبرته الفخمة في كاتدرائيتها.
على مدار المائتي عام التي تلت كولومبوس، صارت إشبيلية هي بوابة الدخول إلى العالم الجديد، وقبلة التجارة الأوروبية، والمدينة الرئيسية في إسبانيا. أكان موقعها الجغرافي وأهميتها الاقتصادية، بالإضافة إلى مناخها (إذ تتنوع درجات الحرارة فيها تنوعا طفيفا على مدار العام، وصيفها طويل وجاف وحار، أما شتاؤها فدافئ) بمنزلة ظروف مثالية يترعرع فيها الطاعون؟
وصل الطاعون إلى إشبيلية عام 1506 مصحوبا بجفاف حاد ونقص في الأغذية. انتشر الطاعون على نطاق واسع في منطقة أندلوسيا حيث قيل إن 100 ألف شخص لقوا حتفهم، ثم قفز قفزة خطيرة شمالا نحو مدريد التي تبعد 250 ميلا (400 كيلومتر)، وهو مثال آخر على انتقال العدوى واسع المدى.
Página desconocida