El regreso de la muerte negra: el asesino más peligroso de todos los tiempos
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Géneros
أضاف بروكوبيوس أن المرض دائما ما كان يبدأ من الساحل ثم كان ينتقل إلى الجزء الداخلي من البلدة، ومن الواضح أنه عادة ما كان يصل على متون المراكب. وقد بدا أنه يتحرك «بترتيب ثابت ويمكث لفترة معينة في كل بلدة»، أي إن الأوبئة، على غرار كافة الأمراض المعدية، اتبعت نمطا ومسارا زمنيا مميزين.
عندما وصل الطاعون إلى القسطنطينية عام 542 ميلاديا، وضع نهاية كارثية لحلم الإمبراطور البيزنطي جستينيان بإعادة تأسيس الإمبراطورية الرومانية. استمر الوباء في حالة الذروة لحوالي 4 أشهر وارتفع معدل الوفيات من 5000 فرد في اليوم إلى 10000 فرد في اليوم، وقيل إن 300000 شخص قد توفوا في القسطنطينية في السنة الأولى وحدها، مع أنه ربما تكون هناك مبالغة في هذه الأرقام. أنهكت مهمة التخلص من الجثث المسئولين؛ فقد حفروا الخنادق، لكنها سرعان ما امتلأت بالجثث عن آخرها وفاضت، وانتشرت رائحة نتنة كريهة في أجواء المدينة.
ثم نشرت السفن التجارية والقوات المحاربة الطاعون إلى أنحاء العالم الغربي المعروف، وقد تفشى مرارا وتكرارا على مدار الخمسين سنة التالية مما أسفر عن معدلات وفيات هائلة. يروي بروكوبيوس أن الناس كانوا مرعوبين؛ إذ كانوا يفطنون إلى أن الطاعون سوف يصيبهم دون سابق إنذار. كان أول عرض يظهر على الضحايا هو الحمى الخفيفة، إلا أنه كان يتبعها الأورام الدبلية في خلال الأيام القلائل التالية. عقب ظهور الأورام، كان معظم المصابين إما يدخلون في غيبوبة عميقة أو في حالة هذيان عنيفة كانت تصل في بعض الأحيان إلى ذهان جنون الاضطهاد والإقدام على الانتحار. عندما كان الأطباء يفتحون الأورام، كانوا يجدون خراجا بداخلها. كانت البثور السوداء - التي لا يزيد حجم كل منها عن حبة العدس - تنتشر في أجساد بعض الضحايا الذين كانوا يموتون دائما في خلال 24 ساعة. وكان يغلبهم الظمأ، وكان كثيرون يلقون بأنفسهم في البحر. وكان معظم الضحايا يتقيئون دما ويموتون في غضون بضعة أيام من ظهور الأعراض. كانت البثور السوداء تعتبر علامة أكيدة على الموت الوشيك، لكن بخلاف هذا لم يستطع الأطباء التنبؤ بسهولة بمسار المرض، أو نجاح وسائل العلاج المختلفة التي كانوا يحاولون تطبيقها. وعلى ما يبدو لم تتوف جميع الضحايا.
من الظاهر أن الاحتكاك بالأفراد الذين كانت تظهر عليهم الأعراض لم يكن يشكل خطرا. يتفق هذا مع النتيجة التي توصلنا إليها بشأن الطاعون النزفي التي تفيد أن احتمالات انتقال العدوى ترتفع خلال بداية الفترة المعدية وليس أثناء الأيام الأخيرة بعد ظهور الأعراض الأولى.
على خلاف طاعون أثينا، استمر طاعون جستينيان لسنوات عدة، مع تفشي الأوبئة مرارا وتكرارا. ومن المثير أنه كان يعاود الظهور في دورات تراوحت مدة كل منها من 9 سنوات إلى 12 سنة، وبلغ الانخفاض في معدل سكان منطقة المتوسط في الفترة ما بين عامي 541 ميلادية و700 ميلادية حوالي 50 بالمائة تقريبا من السكان. ذكر أحد المؤرخين في كتاباته عن نوبة تفش ثانية عام 558 ميلادية أن الوباء لم يتراجع قط بعد نوبة الوباء الأولى، كل ما هنالك أنه تحرك من مكان إلى آخر، وهي قصة شبيهة بقصة الطاعون النزفي في فرنسا. وهكذا فمن الممكن أن المرض كان يتنقل من مكان إلى آخر بواسطة السفن التجارية البطيئة التي كانت سائدة في ذلك الحين طول فترة الحضانة. ومجددا، بالتأكيد لم يكن ذلك طاعونا دبليا.
ثمة أوجه تشابه مذهلة بين هذا الطاعون وطاعون أثينا - الذي وقع قبله بألف عام تقريبا - والطاعون النزفي، وهي النشأة المفترضة في إثيوبيا، وأورام العقد الليمفاوية، والهذيان، والحمى، والبثور السوداء، وانتقال العدوى من شخص إلى آخر، وقصر فترة ظهور الأعراض قبيل الموت، والعطش الشديد. يشير كل شيء إلى أن هذه كانت موجات تفش مبكرة للطاعون النزفي. (6) قاعدة الطاعون النزفي في بلاد الشام
كان الطاعون معروفا لدى شعوب الشرق الأوسط قبل الموت الأسود بوقت طويل؛ ومن ثم أدرك الناس المرض لدى معاودته الظهور في منتصف القرن الرابع عشر. كان طاعون جستينيان إحدى الضربات المبكرة. بإمكان المسلمين تذكر التاريخ المرعب للمرض من فتوحاتهم للشرق الأوسط في القرن السابع. تذكر السجلات التاريخية أنه حدثت خمس فاشيات كبرى في التاريخ الإسلامي، وبدأت الضربة الأولى عام 627 ميلاديا. وقضى نحو 25000 جندي مسلم نحبهم عام 638 ميلادية في الوباء الثاني الذي كان منتشرا في سوريا وممتدا حتى العراق ومصر. أطلق على ضربة الطاعون التالية الطاعون العنيف لأنها اجتاحت البصرة «كالطوفان» عام 688 ميلادية، وضرب الطاعون الرابع الكبير هذه المدينة مرة أخرى عام 706 ميلاديا. عانت العراق وسوريا من «طاعون النخبة» عام 716 ميلاديا. وكانت سوريا تتعرض لموجات تفش أخرى كل عشر سنوات تقريبا في الفترة ما بين عامي 688 و744 ميلاديا.
عندما اجتاحت الأوبئة الإمبراطورية الإسلامية الأولى، استجاب المسلمون للخطر، فسعوا إلى تفسير هذه الأوبئة ومعالجة الضحايا. كان للأوبئة دلالات دينية خاصة بسبب تنبؤ النبي محمد بها، حتى إنها حددت التوجهات الثقافية للمجتمع الإسلامي التقليدي. تكشف السجلات التاريخية لهذه الجائحات أنها كانت مشابهة للموت الأسود (الذي تفشى بعدها ب 600 عام) من حيث انتقال عدواها ومن حيث العواقب الاجتماعية والاقتصادية ومعاودة الظهور الدورية.
من الواضح أن الطاعون النزفي كان موجودا ونشطا ويقوم بعمله على أكمل وجه في معقله ببلاد الشام والشرق الأوسط لمئات السنين قبل الموت الأسود. وكما هو الحال دائما، كان ينتقل عن طريق التجارة. (7) الطاعون الأصفر الغامض
ضرب وباء فتاك يعرف باسم «الطاعون الأصفر» أوروبا في القرن السادس الميلادي، ثم عاود الظهور في القرن السابع واستمر لسنوات عديدة. وقد استشرى في جنوب إنجلترا عام 664 ميلاديا، وقد انتقل منه في آخر المطاف إلى نورثمبريا وأيرلندا. جدير بالذكر أن هذا الطاعون كان ينشط أثناء أشهر الصيف. ثمة أيضا روايات معاصرة عنه في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا. لا يوجد كثير من الحقائق عن هذا الطاعون، لكنه حتما استمر لوقت طويل (ربما ل 600 عام)، مع أنه يبدو أن الأوبئة في إنجلترا كانت تحدث على فترات متقطعة. ولعل هذا المرض كان مستوطنا في جنوب أوروبا القارية، وفقط كان يعبر القنال الإنجليزي من حين إلى آخر كي يبدأ موجات التفشي في الصيف في إنجلترا.
Página desconocida