El regreso de la muerte negra: el asesino más peligroso de todos los tiempos
عودة الموت الأسود: أخطر قاتل على مر العصور
Géneros
بسبب الطبيعة المعدية للمرض، لعله كان ينتشر عن طريق أشخاص يبدون أصحاء في الظاهر ويأوون المرض، إلا أن الأعراض لم تظهر عليهم بعد. كان يعد مثل هذا الشخص في الحقيقة ساما ومدمرا، يتحرك ربما لأسبوع أو أسبوعين قبل مماته، والذي ربما يكون قد دمر أولئك الذين كان سيجازف بحياته كي ينقذهم ... ناقلا الموت إليهم، ربما حتى بقبلته وأحضانه الحانية لأطفاله.
يتضح من هذا أنه، على الأقل في القرن السابع عشر، فهم الناس البيولوجيا الأساسية للطاعون، وبالأخص، النطاق الزمني الذي يمكن أن ينقل المصاب المرض خلاله، والخطر المحدد للعدوى الرذاذية. إن فهمهم لهذا دون المعرفة الطبية الحديثة يكشف بشدة عن قدرتهم على الملاحظة الموضوعية. ومع ذلك، سار الناس عكس المنطق السليم تماما على مدار القرن العشرين بأكمله؛ فقد جرى الاعتقاد دائما وعلى نحو قاطع بأن كافة الطواعين كان سببها مرضا يصيب القوارض يدعى الطاعون الدبلي، وأن العدوى كانت تنتقل من الفئران إلى الناس عن طريق البراغيث. إن الفئران والبراغيث هي الاعتقاد الراسخ في كافة كتب التاريخ اليوم. بكل أسف لم ينتبه الناس جيدا إلى ملاحظة ديفو.
يشرح هذا الفصل كيف تكون هذا التفكير المشوش ويصف الجدل العلمي العنيف الثائر الآن. (1) الطاعون الدبلي
يخفى على معظم الناس أن مرضا مختلفا تمام الاختلاف لطالما كان كامنا في هدوء في الهند وأماكن أخرى من آسيا لقرون، وعادة ما كان هذا المرض فتاكا متى ظهر لدى الإنسان، وقد تميز بتورم «الغدد» أو العقد اللمفاوية في منطقة الإبط والمنطقة العليا من الفخذ، تلك الأورام التي كانت تسمى دبل؛ فأطلق على هذا المرض الطاعون الدبلي.
نحو نهاية القرن التاسع عشر، استشرى الطاعون الدبلي وصار مشكلة طبية خطيرة في الهند، وقد انتشر أيضا على نطاق واسع في جنوب شرق آسيا. أرسلت فرق الأبحاث، وبالطبع فالعالم مدين بالجميل لألكسندر يرسين - وهو عالم أحياء دقيقة فرنسي مولود في سويسرا - ولبعثة الطاعون الهندية؛ لما قدموه من بحث ممتاز في مجال التفتيش العلمي الذي أماطوا فيه اللثام بدقة متناهية عن البيولوجيا المعقدة للطاعون الدبلي والأساس العلمي له ومنشئه وأسبابه.
تدرب يرسين على يد باستير في باريس، ووصل هونج كونج عام 1894 بناء على تلبية لطلب استغاثة من المستعمرة المضروبة بالطاعون التي كانت راضخة تحت وطأة جائحة كبيرة. نظرا لأن يرسين اشتغل بمساعدة محدودة جدا في كوخ من القش بناه بنفسه، حيث رفض المسئولون في هونج كونج توفير مختبر له، فإنه انحط إلى درجة رشوة حراس المشرحة ليسمحوا له بالدخول إلى الجثث التي خلفها الطاعون. برهن يرسين على نحو قاطع أن الطاعون الدبلي مرض يصيب القوارض، وينتشر من أحد القوارض إلى آخر عن طريق البراغيث. وقد أثبت أن مسار الوباء بين البشر يتوقف على عوامل كثيرة نتيجة لتعدد العوائل المقحمة في الأمر، وأنه يختلف تمام الاختلاف عن وباء عدوى بسيطة تنتقل مباشرة من إنسان إلى آخر. أثبت يرسين أن عامل العدوى الذي ينتقل من الفأر إلى البرغوث ومنه إلى الإنسان هو بكتيريا، سميت «يرسينية طاعونية»: يرسينية نسبة إلى مكتشفها يرسين، وطاعونية على اسم المرض (الطاعون) الذي اعتقد أن هذه البكتيريا تسببه.
لتجنب التشويش وسوء الفهم، نطلق الآن على أوبئة الموت الأسود وجميع الطواعين اللاحقة «الطاعون النزفي» (لأن النزيف الممتد كان أحد الأعراض المهمة) لنفرق بوضوح بينها وبين الطاعون الدبلي.
إن العرض المميز (وإن كان غير قاطع) للطاعون الدبلي هو ظهور الدبل. بمجرد أن أعلن يرسين نتائجه المهمة، أدرك الناس أن ضحايا الطاعون النزفي ظهرت عليهم أيضا في بعض الأحيان أورام الغدد الليمفاوية. على ما يبدو فإن الناس افترضوا في الحال أن الطاعون الدبلي هو المسئول عن الموت الأسود. لم يكلف أحد نفسه عناء عقد مقارنة موضوعية بين المرضين، وطيلة القرن العشرين بأكمله كتب هذا الرأي، الذي اكتفى بالاستناد إلى ظهور عرض واحد، على ألواح مقدسة، وقبل عموما بلا نقاش.
لا ينبغي لأي عالم أن يبني استنتاجات أو يكون افتراضات بناء على ملاحظة أو تجربة وحيدة؛ فما من طبيب يشخص مرضا بناء على عرض وحيد، وإنما بالأحرى سوف يفحص المريض بدقة متفقدا جميع العلامات والأعراض، بل في الغالب سوف ينتظر نتائج المزيد من التحاليل المختبرية، وسوف يصنع قرارا عندما يتمكن من رؤية الصورة الكلية. ينبغي أيضا على العلماء والأطباء أن يكون لديهم استعداد لتغيير آرائهم إذا فشلت التجارب اللاحقة في التأكيد على فرضياتهم المبدئية، أو إذا لم يستجب المريض للعلاج الموصوف.
بطبيعة الحال، كان هذا القبول العمومي والمطلق - في نحو عام 1900 - للرأي القائل بأن الطاعون النزفي لم يزد عن كونه سلسلة من أوبئة الطاعون الدبلي مناقضا بالمرة للرأي الذي طالما اعتنقه الناس فيما مضى طيلة 500 عام، وكان لا بد من معاودة كتابة التاريخ من جديد، ومن نسج العديد من روايات الطواعين المبالغ فيها من وحي الخيال أو حتى تعديلها، كيما تتفق مع قصة الطاعون الدبلي الجديدة.
Página desconocida