لم أقترف جريمة، كما أنني لم أفعل فضيلة، أما المسألة التي يشوق صاحبنا إلى إظهارها، فهي لا تستحق الذكر، وفوق كل ذلك، فأنا لا أريدكم أن تصرفوا السهرة بحديثي.
الآنسة هيلانة :
حسنا إذا فلنسمع الخبر
سليم معوض (يشعل لفافة، ويجلس بقرب يوسف مسرة) :
قد سمعتم طبعا يا سادتي بزواج ابن جلال باشا، وقد عرفتم أن والد العريس قد أقام ليلة أمس حفلة طرب دعا إليها وجهاء المدينة وكبارها (مشيرا إلى بولس)
وقد دعا هذا الشرير، ودعيت أنا أيضا؛ والسبب في ذلك أن الناس يحسبونني ظلا لبولس أسير حيث يسير، وأقوم حيث يقوم، ولأنه أدامه الله وأبقاه، لا يحب الإنشاد إلا على نقرات عودي. بلغنا منزل جلال باشا متأخرين، وبولسنا كالملوك لا يجيء إلا متأخرا فوجدنا هناك الوالي، والمطران، بل وجدنا هناك الحسناء الفاضلة، والأديب، والشاعر، والمثري والزعيم، جلسنا بين مجامر البخور، وكئوس الخمر، والقوم ينظرون إلى بولس كأنه ملاك هبط من السماء، أما السيدات فأخذن يقدمن إليه كؤوس الخمر، وصحف النقل، وطاقات الأزهار مثلما كانت تفعل نساء أثينا عند رجوع أحد الأبطال من ساحات الحرب - خلاصة الكلام - أن بولسنا كان في بدء السهرة موضوعا للتكريم والاحتفاء، أخذت عودي، وضربت أولا، وثانيا، وثالثا ففتح بولس شفتيه المقدستين، وأنشد بيتا ... بيتا واحدا من قصيدة ابن الفارض:
غيري على السلوان قادر
وسواي في العشاق غادر
فأصغى القوم، وتطاولت أعناقهم كأن الموصلي قد جاء من وراء حجب الأبدية؛ ليهمس في آذانهم أنغاما سحرية علوية، وبعد ذلك سكت بولس؛ فظن الحاضرون أنه سيعود إلى الإنشاد بعد أن يشرب كأسا أخرى من العرق، ولكن بولس ظل ساكتا.
بولس الصلبان (بلهجة جدية) :
Página desconocida