في تلك الليلة استدعى زعيم القبيلة لاويص وقال له: «لقد أتيت في هذه الليلة بما لم يأته بشري قبلك، وعلمت من أسرار الحياة ما لا يعلمه بيننا سواك، فافرح وابتهج؛ لأنك ستكون من الآن وصاعدا صاحب المقام الأول من بعدي في هذه القبيلة، فأنا أشد الرجال بطشا، وأقواهم ساعدا، وأنت أكثر الرجال معرفة، وأكثرهم حكمة، بل أنت الوسيط بيني وبين الآلهة تبلغني مشيئتهم، وتبين لي أعمالهم وأسرارهم، وتعلمني ما يجب أن أفعله لأكون حاصلا على رضائهم ومحبتهم».
فأجاب لاويص: «كل ما يقوله لي الآلهة في الحلم أقوله في اليقظة، وما أراه من مآتيهم أظهره لك، فأنا الوسيط بينك وبين الآلهة».
فسر الزعيم، ووهب لاويص فرسين، وسبعة عجول، وسبعين كبشا، وسبعين شاة، وقال له: «سوف يبني لك رجال القبيلة بيتا يماثل بيتي، وسيهدونك في نهاية كل موسم قسما من غلة الأرض، وأثمارها، فتعيش سيدا مطاعا، مكرما».
وانتصب إذ ذاك لاويص للانصراف، فأوقفه الزعيم، وسأله قائلا: «ولكن من هو هذا الإله الذي تدعوه بإله الشر؟ من هو هذا الإله الذي يجسر أن يصارع إله الليل البهي، إننا لم نسمع به قط ولا علمنا بوجوده؟».
ففرك لاويص جبهته، وأجاب قائلا: «اعلم يا سيدي أنه في قديم الزمان، وذلك قبل ظهور الإنسان، كان جميع الآلهة يعيشون بسلام ومودة في مكان قصي وراء المجرة، وكان إله الآلهة، وهو والدهم، يعلم ما لا يعلمونه، ويفعل ما لا يستطيع أحدهم أن يفعله، ويحفظ لنفسه بعض الأسرار الربانية الكائنة وراء النواميس الأزلية، ففي العصر السابع من الدهر الثاني عشر تمردت روح «بعطار» وهو يكره الإله الأعظم فوقف أمام أبيه وقال: «لماذا تحفظ لنفسك السلطة المطلقة على جميع المخلوقات حاجبا عنا أسرار الأكوان والنواميس والدهور؟ أو لسنا أبنائك وبناتك ومشاركين لك بقوتك وخلودك؟».
فضغب إله الآلهة وأجاب: «سوف أحفظ لنفسي القوة الأزلية، والسلطة المطلقة، والأسرار الأساسية إلى أبد الدهر، فأنا البدء وأنا النهاية».
فقال بعطار: «إن لم تقاسمني قوتك وجبروتك تمردت أنا وأبنائي وأحفادي على قوتك وجبروتك».
فانتصب إذ ذاك إله الآلهة فوق عرشه، وقد امتشق المجرة سيفا، وقبض على الشمس ترسا، وبصوت ارتعشت له جوانب العالم صرخ قائلا: «ألا فاهبط أيها المتمرد الشرير إلى العالم الأدنى حيث الظلمة والشقاء، وابق هناك منفيا شريدا تائها حتى تنقلب الشمس رمادا، وتتحول الكواكب هباء منثورا».
في تلك الساعة هبط بعطار من مقر الآلهة إلى العالم الأدنى حيث تقيم الأرواح الخبيثة، وقد أقسم بسر خلوده أنه سيصرف الدهور محاربا والده وإخوته، واضعا الأشراك لكل محب لوالده أو مريد لإخوانه.
فقال الزعيم وقد تقلصت جبهته واصفر وجهه: «إذن فاسم إله الشر بعطار؟».
Página desconocida