ولكنني لست مع قومي الجائعين، المضطهدين، السائرين في موكب الموت نحو مجد الاستشهاد، بل أنا ههنا وراء البحار السبعة أعيش في ظل الطمأنينة، وخمول السلامة، أنا ههنا بعيد عن النكبة، والمنكوبين، ولا أستطيع أن أفتخر بشيء حتى ولا بدموعي.
وماذا عسى يقدر المنفي البعيد أن يقول لأهله الجائعين.
ليت شعري، ماذا ينفع ندب الشاعر ونواحه؟
لو كنت سنبلة من القمح نابتة في تربة بلادي، لكان الطفل الجائع يلتقطني، ويزيل بحباتي يد الموت عن نفسه.
لو كنت ثمرة يانعة في بساتين بلادي، لكانت المرأة الجائعة تتناولني، وتقضمني طعاما.
لو كنت طائرا في فضاء بلادي، لكان الرجل الجائع يصطادني، ويزيل بجسدي ظل القبر عن جسده.
ولكن، واحر قلباه، لست بسنبلة من القمح في سهول سورية، ولا بثمرة يانعة في أودية لبنان، وهذه هي نكبتي الصامتة التي تجعلني حقيرا أمام نفسي، وأمام أشباح الليل.
هذه هي المأساة الموجعة التي تعقد لساني، وتكبل يدي، ثم توقفني بلا عزم، ولا إرادة، ولا عمل. •••
يقولون لي: ما نكبة بلادك سوى جزء من نكبة العالم، وما الدموع والدماء التي هرقت في بلادك سوى قطرات من نهر الدماء والدموع المتدفق ليلا ونهارا في أودية الأرض وسهولها.
نعم، ولكن نكبة بلادي نكبة خرساء، نكبة بلادي جريمة حبلت بها رؤوس الأفاعي والثعابين، نكبة بلادي مأساة بغير أناشيد ولا مشاهد.
Página desconocida