وكم سهرنا الليالي متوسدين التراب، ملتحفين بالثلوج باكين على إلف ورزق فقدناه، وكم صرفنا الأيام رابضين كنعاج لا راعي لها، نقضم أفكارنا، ونلوك عواطفنا، ونظل جائعين ظامئين. وكم وقفنا بين نهار زائل ومساءات نائحين على شباب ذابل، مشتاقين إلى من لا نعرفه، مستوحشين لأسباب نجهلها، محدقين بفضاء خال مظلم، مصغين إلى أنة السكون والعدم.
تلك أجيال مرت مرور الذئاب الخاطفة بين المدافن، أما اليوم، وقد صحا الفضاء وصحونا، فصرنا نقضي الليالي البيضاء على أسرة علوية، مساهرين الخيال، مسامرين الفكر، معانقين الأميال، تتمايل حولنا شعلات النار؛ فنقبض عليها بأصابع غير مرتعشة، وتتصاعد حولنا أرواح الجن؛ فنخاطبها بلغة غير ملتبسة، وتمر بنا أجواق الملائكة فنستهويها بشوق قلوبنا ونسكرها بنغمة أرواحنا.
كنا بالأمس وأصبحنا اليوم، وهذه مشيئة الآلهة بأبناء الآلهة، فما هي إرادتكم يا أبناء القرود؟
هل سرتم خطوة واحدة إلى الأمام منذ انبثقتم من شقوق الأرض؟ أم رفعتم أبصاركم نحو الأعالي منذ فتحت الشياطين أبصاركم؟ أم تلفظتم بكلمة من سفر الحق منذ قبلت أفواه الأفاعي أفواهكم؟ أم أصغيتم هنيهة لأغنية الحياة منذ أغلق الموت آذانكم؟
منذ سبعين ألف سنة مررت بكم، فرأيتكم تتقلبون كالحشرات في زوايا الكهوف، ومنذ سبع دقائق نظرت وراء بلور نافذتي، فوجدتكم تسيرون في الأزقة القذرة، وأبالسة الخمول تقودكم، وقيود العبودية تتمسك بأقدامكم، وأجنحة الموت تصفق فوق رؤوسكم، فأنتم اليوم كما كنتم، وستظلون غدا، وبعده مثلما رأيتكم في البدء.
كنا بالأمس فأصبحنا اليوم، وهذا ناموس الآلهة بأبناء الآلهة، فما هي سنة القرود بكم يا أبناء القرود؟
بين ليل وصباح
اسكت يا قلبي فالفضاء لا يسمعك.
اسكت فالأثير المثقل بالنواح، والعويل لن يحمل أغانيك وأناشيدك.
اسكت فأشباح الليل لا تحفل بهمس أسرارك، ومواكب الظلام لا تقف أمام أحلامك.
Página desconocida