218

============================================================

من الله تعالى والتضرع بين يدى الله بقلبه إن لم يكن بقاليه وقلبه، فيكون له فى كل كلمة إلى الله الرجوع ، وفى كل حركة بين يدى الله خضوع.

وإنما دخلت الفتنة على المغرورين المذعين للقوة والاسترسال فى الكلام والمخالطة ، لقلة معرفتهم صفات النفس، واغترارهم بيسير من الموهبة، وقلة تأدبهم بالشيوخ كان الجنيد - رحمه الله - ييقول لأصحابه : لو علمت أن صلاة ركعتين لى أفضل مسن چلوسى معكم ما جلست عندكم فإذا رأى الفضل فى الخلوة يخلو، وإذا رأى القضل فى الجلوة يجلس مع الأصحاب، فتكون جلوته فى حماية خلوته ، وجلوته مزيذا لخلوته، وفى هذا سر، وذلك : أن الآدمى ذو تركيب مختلف، فيه تضاد وتغاير- على ما أسلفتا- من كونه مترددا بين السفلى والعلوى، ولما فيه من التغاير له حظ من الفتور عن الصبر على صرف الحق، ولهذا كان لكل عامل فترة، والفترة قد تكون تارة فى صورة العمل ، وتارة فى عدم السروح فى العمل، وإن لم تكن فى صورة العمل، ففى وفقت الفترة اللمريدين والسالكين تصييع واسترواح للنفس، وركون إلى البطالة.

فمن بلغ رتبة المشيخة انصرف قسم فترته إلى الخلق، فأفلح الخلق بقسم فترته، وما ضاع قم فترته كضياعه فى حق المريدين؛ فالمريد يعود من الفترة بقوة الشدة، وحسدة الطلب إلى الإقبال على الله.

والشيخ يكتسب الفضيلة من نقع الخلق بقسم فترتسه ويعود إلى أوطان خلوته وخساص حاله بنفس مشرئبة، اكثر من عود الفقير بحدة ارادته من فترته، فيعود من الخلق إلى الخلوة منتزع القتور، بقلب متعطش وافر النور، وروح متخلصة عن مضيق مطالعة الأغيار، قادمة بحدة شغفها إلى دار القرار.

ومن وظيفة الشيخ : خسن خلقه مع أهل الإرادة والطلب، والنزول من حقه فيما يجب من التبجيل والتعظيم للمشايخ، واستعماله التواضع.

حكى الرقى قال: كنت بمصر، وكنا فى المسجد جماعة من الققراء جلوسا، فدخل الزقاق، فقام عند اسطوانة يركع، فقلنا يفرغ الشيخ من صلاته وثقوم تسلم عليه، فلما فرغ جاء إلينا وسلم علينا، فقلنا: نحن كنا أولى بهذا من الشيخ فقال : ما عذب الله قلبى بهذا قط، يعنى: ما تقيدت بأن أحترم وأقصد.

Página 218