La Era del Renacimiento: Una Introducción Muy Corta
عصر النهضة: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
أين كان عصر النهضة ومتى؟
عادة ما يرتبط عصر النهضة بدويلات المدن الإيطالية مثل فلورنسا، ولكن درجة الأهمية التي لا شك فيها التي تحتلها إيطاليا غالبا ما حجبت تطور الأفكار الجديدة في شمال أوروبا وشبه جزيرة أيبيريا والعالم الإسلامي وجنوب شرق آسيا وأفريقيا. ولكي نعرض طبيعة عصر النهضة من منظور عالمي شامل، سيكون من الدقة أن نشير إلى سلسلة من عصور نهضة في تلك المناطق، والتي عكس كل منها مميزات تلك المناطق وسماتها الخاصة. وعصور النهضة في هذه المناطق غالبا ما كانت تتداخل وتتبادل التأثير مع عصر النهضة الكلاسيكي المعروف الذي اتخذ من إيطاليا مركزا له، فقد كان عصر النهضة ظاهرة دولية سلسة ومتنقلة بصورة متميزة.
واليوم، هناك إجماع على أن تعبير «عصر النهضة» يشير إلى تغير عميق ودائم وتحول في الثقافة والسياسة والفن والمجتمع في أوروبا ما بين عامي 1400 و1600. والكلمة تشير إلى فترة من التاريخ، وإلى نموذج أكثر شمولا من التجدد الثقافي، وهي مشتقة من كلمة فرنسية تعني «إحياء». ومنذ القرن التاسع عشر، استخدم هذا المصطلح لوصف فترة من التاريخ الأوروبي شهدت إحياء التقدير الفكري والفني للثقافة اليونانية-الرومانية، والذي أدى إلى ظهور المؤسسات الفردية والاجتماعية والثقافية الحديثة التي تحدد هوية الكثيرين في العالم الغربي اليوم.
غالبا ما يرى مؤرخو الفن أن عصر النهضة يبدأ من القرن الثالث عشر، مع فن جوتو وتشيمابو، وينتهي في أواخر القرن السادس عشر بأعمال مايكل أنجلو، ورسامي فينيسيا مثل تيتيان. ومن ناحية أخرى، يتبنى الباحثون في مجال الأدب في العالم الأنجلو-أمريكي منظورا مختلفا، فيركزون على نشأة الأدب الإنجليزي باللغة العامية في القرنين السادس عشر والسابع عشر في شعر ودراما سبنسر وشكسبير وميلتون. أما المؤرخون، فيتبنون نهجا مختلفا، حيث يطلقون على الفترة من حوالي 1500 إلى 1700 «أوائل العصر الحديث»، بدلا من «عصر النهضة». وقد ازدادت حدة هذه الاختلافات في تأريخ - وحتى تسمية - عصر النهضة لدرجة أثارت الشكوك في صحة هذا المصطلح؛ فهل لا يزال للمصطلح أي معنى؟ وهل من الممكن فصل عصر النهضة عن العصور الوسطى التي سبقته وعن العصر الحديث الذي تلاه؟ وهل هذا المصطلح يدعم الاعتقاد بالتفوق الثقافي الأوروبي؟ للإجابة على هذه الأسئلة، علينا أن نفهم أولا كيف ظهر مصطلح «عصر النهضة» إلى الوجود.
لم يكن الناس في القرن السادس عشر يعرفون مصطلح «عصر النهضة»، وكانت الكلمة الإيطالية بمعنى «إحياء» تستخدم في القرن السادس عشر للإشارة إلى إحياء الثقافة الكلاسيكية. ولم يستخدم المصطلح الفرنسي «عصر النهضة» كعبارة تاريخية وصفية حتى منتصف القرن التاسع عشر. وكان أول من استخدم هذا المصطلح هو المؤرخ الفرنسي جول ميشليه، القومي الفرنسي الذي كان ملتزما بقوة بمبادئ المساواة التي أفرزتها الثورة الفرنسية. وفي الفترة ما بين 1833 و1862، كرس ميشليه جهده لمشروعه الأعظم؛ ألا وهو تأليف «تاريخ فرنسا» الذي صدر في عدة مجلدات. كان ميشليه ينتمي للتيار الجمهوري التقدمي ، وملأ الدنيا ضجيجا بإدانته للطبقة الأرستقراطية والكنيسة. وفي عام 1855، نشر ميشليه المجلد السابع من «تاريخ فرنسا» وأسماه «عصر النهضة»؛ وكان عصر النهضة يعني بالنسبة له: ... اكتشاف العالم، واكتشاف الإنسان. القرن السادس عشر ... بدأ من كولومبوس إلى كوبرنيكوس، ومن كوبرنيكوس إلى جاليليو، ومن اكتشاف الأرض إلى السماوات. لقد أعاد الإنسان اكتشاف نفسه.
كانت الاكتشافات العلمية التي توصل إليها مستكشفون ومفكرون مثل كولومبوس وكوبرنيكوس وجاليليو تمضي جنبا إلى جنب مع تعريفات فلسفية أكثر للفردية التي رصدها ميشليه في كتابات رابليه ومونتين وشكسبير. وكانت هذه الروح الجديدة تتناقض مع ما كان يراه ميشليه في القرون الوسطى على أنه صفة «غريبة ووحشية». فبالنسبة له، كان عصر النهضة يمثل حالة ديمقراطية تقدمية تحتفي ببعض الفضائل العظيمة التي يقدرها - مثل العقل والحقيقة والفن والجمال. ووفقا لميشليه، فإن عصر النهضة «يتطابق في جوهره مع العصر الحديث».
كان ميشليه أول مفكر يعرف عصر النهضة على أنه فترة تاريخية حاسمة في الثقافة الأوروبية مثلت فاصلا جوهريا مع العصور الوسطى، والتي صاغت فهما حديثا للبشرية ومكانتها في العالم. كما روج لعصر النهضة على أنه يمثل روحا معينة أو موقفا بعينه بقدر ما يشير إلى فترة تاريخية محددة. لم يبدأ عصر النهضة كما يراه ميشليه في إيطاليا في القرنين الرابع عشر والخامس عشر كما قد نتوقع، وإنما في القرن السادس عشر. وبصفته قوميا فرنسيا، فإن ميشليه كان شغوفا بأن يدعي أن عصر النهضة كان ظاهرة فرنسية. ونظرا لأنه كان ينتمي للحزب الجمهوري، فقد رفض أيضا ما رأى أنه إعجاب إيطاليا في القرن الرابع عشر بالكنيسة، والاستبداد السياسي، واعتبر أن هذا ضد الديمقراطية تماما، ومن ثم، بعيد كل البعد عن روح عصر النهضة.
وقد تشكلت قصة عصر النهضة عند ميشليه بصورة قاطعة على يد ظروفه الخاصة في القرن التاسع عشر. وفي الحقيقة، فإن قيم عصر النهضة عند ميشليه قريبة جدا بشكل مدهش من قيم ومبادئ الثورة الفرنسية: التي تعتنق مبادئ الحرية والعقل والديمقراطية، وترفض الاستبداد السياسي والديني، وتحافظ على قدسية روح الحرية وكرامة «الإنسان ». ونظرا لشعوره بالإحباط من عدم تطبيق هذه القيم في عصره، فقد راح ميشليه يبحث عن اللحظة التاريخية التي انتصرت فيها قيم الحرية والمساواة وبشرت بعالم حديث يخلو من الاستبداد.
عصر النهضة من منظور سويسري
إذا كان ميشليه هو من اكتشف فكرة عصر النهضة، فإن الأكاديمي السويسري ياكوب بوركهارت عرفها بأنها ظاهرة إيطالية حدثت في القرن الخامس عشر. فقد أصدر بوركهارت في عام 1860 كتابا باسم «حضارة عصر النهضة في إيطاليا»، وقد قال بأن الخصائص المميزة للحياة السياسية في نهاية القرن الخامس عشر أدت إلى ظهور نزعة فردية عصرية متميزة. وقد كان إحياء العصور الكلاسيكية القديمة، واكتشاف عالم أوسع، وعدم الارتياح المتزايد تجاه الدين الذي يتخذ شكلا مؤسسيا؛ يعني أن «الإنسان أصبح فردا له روحانيته». وقارن بوركهارت عمدا بين هذا التطور الجديد وبين غياب الوعي بالذات الذي كان السمة الأساسية للعصور الوسطى من وجهة نظره؛ إذ كان «الإنسان مدركا لذاته على أنه فرد من جنس كامل، أو من مجتمع أو حزب أو عائلة أو مؤسسة». بعبارة أخرى، فإن الناس - قبل القرن الخامس عشر - كانوا يفتقرون إلى الإحساس القوي بهويتهم الفردية. وطبقا لبوركهارت، فإن إيطاليا في القرن الخامس عشر أنجبت «إنسان عصر النهضة»، والذي أطلق عليه «المولود الأول بين أبناء أوروبا الحديثة»، وكانت النتيجة هي ذلك الشكل الذي أصبح مألوفا الآن لعصر النهضة: مهد العالم الحديث الذي أنشأه بيترارك وألبيرتي وليوناردو، والذي يتسم بإحياء الثقافة الكلاسيكية، وانتهى بحلول منتصف القرن السادس عشر.
Página desconocida