La Era del Renacimiento: Una Introducción Muy Corta
عصر النهضة: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
وضع مكيافيلي كتابه في أعقاب انهيار جمهورية فلورنسا في 1512، وعودة عائلة ميديتشي للسلطة. كان مكيافيلي قد خدم الجمهورية لمدة 14 عاما قبل طرده، وسجنه لفترة وجيزة على يد عائلة ميديتشي العائدة إلى الحكم. وكان الهدف من كتاب «الأمير» هو الاعتماد على خبراته السياسية «في مناقشة حكم الأمير ولصياغة القوانين المتعلقة به». وما حدث لاحقا كان وصفا مدمرا لكيفية حصول الحكام على السلطة واحتفاظهم بها. واختتم مكيافيلي كتابه بأنه لو أن اقتراحاته «وضعت في حيز التنفيذ بمهارة، فسوف ترسخ أواصر حكم الحاكم الجديد، وسوف تجعل سلطته آمنة أكثر سريعا». وقد أنتجت خلفية مكيافيلي المشتملة على التدريب الإنساني والخبرة السياسية المباشرة سلسلة من الآراء الشائنة التي كانت مستلهمة من المؤلفين الكلاسيكيين، وكذلك الأحداث السياسية المعاصرة. فيقول: «يجب أن يكون الحاكم الذي يرغب في الحفاظ على حكمه مستعدا للتصرف بصورة لا أخلاقية»، كما يجب عليه أن «يكون منافقا ومدعيا كبيرا»، ومستعدا «للتصرف بغدر وبقسوة وبلا إنسانية، ويتجاهل مبادئ الدين» بهدف الحفاظ على السلطة السياسية.
كان كتاب مكيافيلي محاولة للحصول على وظيفة سياسية (أو في حالة مكيافيلي العودة مرة أخرى إلى وظيفة سياسية). وقد أهدي كتاب «الأمير» إلى جوليانو دي ميديتشي الحاكم المطلق الجديد لفلورنسا، كما أشار المؤلف إلى كتابه بصفته «علامة على استعدادي لخدمتك». كما صرح مكيافيلي في خطاباته عن «رغبتي في أن يبدأ حكام عائلة ميديتشي هؤلاء في استخدامي». وكان كتاب «الأمير» بمثابة محاولة مكيافيلي لتقديم النصح لعائلة ميديتشي حول كيفية التمسك بالسلطة السياسية المطلقة. لقد كان مكيافيلي يصل بالحركة الإنسانية في عصر النهضة إلى نهايتها السياسية المنطقية بتزويد حاكمه الجديد بالوصف المتاح الأكثر إقناعا وواقعية عن كيفية الحفاظ على السلطة. لقد كانت إنسانية مكيافيلي مهيئة للترويج لأي أيديولوجية سياسية تملك زمام التحكم؛ سواء أكانت استبدادية أم ديموقراطية. أما مأساة مكيافيلي فكانت تتمثل في عدم اقتناع عائلة ميديتشي بتأكيداته على الولاء. ولم يحصل قط على أي منصب سياسي رفيع المستوى مرة أخرى، وظل كتاب «الأمير» بلا طباعة حتى مات في عام 1527.
أما كتاب توماس مور المعنون «يوتوبيا: عن أفضل دولة في الكومنولث وجزيرة يوتوبيا الجديدة»، فكان وثيق الصلة كذلك بالحياة المهنية لمؤلفه. فقد ترجم مور - وهو من أقرب أصدقاء إراسموس وطالب موهوب في القانون واللغة اليونانية - أعمال لوقيان وكتب الشعر باللغتين الإنجليزية واللاتينية. وفي عام 1517، انضم إلى مجلس هنري الثامن السياسي، وأصبح رئيس مجلس اللوردات في 1529، وكان يكتب الكثير من كتيبات الدعاية السياسية واللاهوتية الخاصة بهنري الثامن أثناء تلك الفترة. وكان مور تجسيدا لرؤية شيشرون عن الإنساني المثقف؛ وهو الشخص القادر على توفيق التأمل الفلسفي الخاص مع الخطابة العامة، والاشتراك في العالم المدني للسياسة والدبلوماسية.
يتخلل فعل الموازنة الدقيقة هذا كتاب يوتوبيا. فقد كتب هذا الكتاب في صيغة حوار لاتيني بين أشخاص مثقفين، وذلك في محاكاة مباشرة لأطروحة أفلاطون الأنيقة عن الدولة المثالية: «الجمهورية». ويستهل الكتاب بتقديم مور نفسه في مدينة أنتويرب بصفته الممثل الدبلوماسي لهنري الثامن، ثم يقدمه صديقه إلى رافاييل هيثلوداي، وهو مغامر عاد مؤخرا من جزيرة يوتوبيا. ويقدم هيثلوداي وصفا تفصيليا عن «كومنولث» يوتوبيا المثالي، حيث «كل الأشياء خاضعة للملكية المشتركة»، و«لا يوجد متسولون»، والطلاق والقتل الرحيم والصحة العامة أمور مسلم بها.
هل كان مور يؤمن برؤيته الخيالية عن المجتمع المثالي؟ هناك أسباب متعددة للاعتقاد بأنه كان متناقضا فيما يتعلق باليوتوبيا. فكلمة «يوتوبيا» في حد ذاتها تورية واختراع لغوي من اللغة اليونانية معناه «المكان المحظوظ» وأيضا «اللامكان». كما أن اسم هيثلوداي معناه «الخبير في الهراء». وكان مور يرى أن الكثير من «قوانين وعادات» يوتوبيا «سخيفة حقا»، لكنه اعترف «أنه في كومنولث يوتوبيا هناك الكثير من السمات الموجودة في مجتمعاتنا التي أحبها أكثر مما أتوقع أن أراها». وهذه موافقات مشروطة بشدة لمجتمعه الخيالي.
وعلى مدار صفحات الكتاب، يرفض مور الموافقة على الموضوعات السياسية المثيرة للنزاع التي يناقشها أو رفضها، بدءا من الملكية الخاصة والسلطة الدينية، وحتى المناصب العامة والتأمل الفلسفي. ولم يكن هذا بسبب أنه لم يستطع التوصل إلى قرار: فمن الناحية السياسية، لم يشأ أن يعتقد أحد أنه يساند موقفا محددا. وبصفته مستشارا سياسيا ماهرا، اضطر مور لاستعراض مهاراته البلاغية في تبرير التصريحات والمعتقدات المتنافرة أو المتناقضة بالتبادل في خدمة الدولة. وتمثل يوتوبيا لوحة يمكنه أن يناقش فيها مجموعة من الموضوعات وثيقة الصلة بعالمه الخاص. ولو تعرض تحليله للدراسة والتقييم، كان بإمكانه دائما الإشارة إلى أنه دافع عن الموقف المعاكس، أو القول بأن يوتوبيا في نهاية الأمر وببساطة فكرة مختلقة: فهي غير موجودة.
ويمثل كتاب «يوتوبيا» إعلانا عن قدرة مور على الحديث بفصاحة في سلسلة من الموضوعات المثيرة للنزاع التي أثرت على صاحب العمل الذي كان مور يعمل لديه، وهي أمور كان من المتوقع أن يقدم مور الاستشارة حولها. وعلى خلاف مكيافيلي، كتب مور «يوتوبيا» في أوج حياته العامة، وكان عليه أن يكون أكثر حذرا وأكثر مرونة من الناحية السياسية في تفكيره؛ ولهذا فإن رسالة وأسلوب «يوتوبيا» متناقضان بهذه الصورة؛ ولذلك فقد استطاع مكيافيلي، الذي كان دون عمل آنذاك، أن يقدم وصفا للسياسة والسلطة أقل غموضا بكثير وأكثر واقعية على المستوى السياسي في كتابه «الأمير». أما رفض مور المصادقة على طلاق هنري فكان سوء تقدير سياسي على أساس الدين أكثر من كونه موقفا أخلاقيا مرتبطا بالمبادئ، وهو ما أدى إلى إعدام مور. ويوضح كل من كتاب مور «يوتوبيا» وكتاب مكيافيلي «الأمير» الانتهازية السياسية للإنسانيين في عصر النهضة.
ومن بيترارك إلى مور، كانت الحركة الإنسانية في عصر النهضة تخدم بمرونة من كان يبدو من المناسب والمفيد اتباعه سياسيا. ولهذا فإن العديد من الفلسفات السياسية الحديثة ادعت أن كتبا مثل «الأمير» و«يوتوبيا» تبرر مطالبها الشخصية للقوة والسلطة. ولا تزال الحركة الإنسانية في عصر النهضة لها تأثير فعال على الحركات الإنسانية الحديثة، لكن الحركة الإنسانية - كما أكد هذا الفصل - ليست احتفاء مثاليا بالمشاعر الإنسانية كما كانت تزعم في الغالب، ولكنها في جوهرها براجماتية إلى حد بعيد. إن ميراث الحركة الإنسانية في عصر النهضة أكثر تناقضا مما يعتقد الكثيرون، ويرجع ذلك - جزئيا - إلى أن لغتها لا تزال شديدة الإغراء.
هوامش
الفصل الثالث
Página desconocida