La Era del Renacimiento: Una Introducción Muy Corta
عصر النهضة: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
وبحلول عام 1450، كان جورج قد أصبح سكرتيرا باباويا، ومحاضرا بارزا في منهج الإنسانيات الجديد المشهور باسم الدراسات الإنسانية، وذلك في ستوديو رومانو تحت رعاية البابا نيكولاس الخامس. ولكن بدأ الباحثون الأصغر سنا في مجال الإنسانيات في نقد ترجمات جورج. وفي عام 1465، توجه جورج إلى عاصمة محمد الفاتح الجديدة إسطنبول؛ القسطنطينية فيما سبق. ونظرا لأن جورج كان على دراية باهتمامات محمد الفاتح الدراسية، فقد كتب مقدمة لعالم الجغرافيا اليوناني الكلاسيكي بطليموس وأهداها إلى السلطان، «معتقدا أنه لا شيء أفضل في الحياة الحالية من خدمة ملك حكيم، وإنسان يتفلسف بخصوص المسائل الكبرى». كما أهدى جورج مقارنته بين أرسطو وأفلاطون إلى السلطان، وعاد إلى روما لصياغة سلسلة من الخطابات إلى محمد الفاتح، زاعما أنه «لم يشهد التاريخ من قبل ولن يشهد إنسانا آخر منحه الله فرصة أعظم للسيطرة المنفردة على العالم». وفي خطاباته وإهداءاته البلاغية المؤثرة، كان من الواضح أن جورج يرى محمدا الفاتح راعيا مناسبا لمهاراته الأكاديمية. وبمجرد أن علم البابا بمغازلة جورج الفكرية للسلطان، لم يرق له ذلك وقام بسجنه. لكن مدة سجنه كانت وجيزة، وبعد مهمة محددة له في بودابست عاد جورج إلى روما ليجد كتبه عن البلاغة والجدل تنتعش من جديد نتيجة توزيعها عبر اختراع جديد: ألا وهو آلة الطباعة.
يتناول هذا الفصل ظهور أحد أكثر المصطلحات الفلسفية تعقيدا وإثارة للجدل؛ ألا وهو الحركة الإنسانية في عصر النهضة، وعلاقته الوثيقة بأحد أهم التطورات التكنولوجية في العالم قبل الحديث؛ اختراع آلة الطباعة. كان الشيء الذي وحد بين هذين التطورين هو الكتب. ففي بداية القرن الخامس عشر، كانت معرفة القراءة والكتابة والإلمام بالكتب حكرا على صفوة عالمية ضئيلة مركزة في المراكز الحضرية مثل القسطنطينية وبغداد وروما وفينيسيا. وبنهاية القرن السادس عشر، أحدثت الحركة الإنسانية وآلة الطباعة ثورة في تصورات الصفوة وعامة الناس بخصوص القراءة والكتابة ومكانة المعرفة المنقولة من خلال الكتب المطبوعة، والتي صارت مركزة بدرجة أكثر حصرية في شمال أوروبا.
تمتد سيرة حياة جورج من تريبيزوند على مدار فترة حاسمة بالنسبة لكل من النظريات الفكرية وتاريخ الكتب. ففي ذلك الوقت، طور جيل كامل من المثقفين طريقة جديدة للتعلم مأخوذة عن المؤلفين الكلاسيكيين الإغريق والرومان، يطلق عليها الدراسات الإنسانية. وأطلق هؤلاء الباحثون على أنفسهم «الإنسانيون»، واشتركوا في مهمة هائلة لفهم وترجمة ونشر وتعليم نصوص الماضي كوسيلة لفهم وتغيير حاضرهم. وبالتدريج حلت الحركة الإنسانية في عصر النهضة مكان التقليد الدراسي في العصور الوسطى الذي انبثقت منه. وبطريقة منظمة، عززت دراسة الأعمال الكلاسيكية بصفتها مفتاح خلق الفرد الناجح المهذب المتحضر، الذي استخدم هذه المهارات للنجاح في سياق عالم الحياة اليومية في السياسة والتجارة والدين.
يكمن نجاح الحركة الإنسانية في زعمها بتقديم أمرين لأتباعها: الأول هو أنها عززت الاعتقاد القائل بأن التفوق في الكلاسيكيات يجعلك إنسانا أفضل وأكثر «إنسانية»، وقادرا على التفكير في المشكلات المعنوية والأخلاقية التي كان يواجهها الفرد فيما يتعلق بعالمه الاجتماعي. أما الأمر الثاني فهو أنها أقنعت الطلاب والموظفين بأن دراسة النصوص الكلاسيكية قدمت المهارات العملية المطلوبة لمهنة مستقبلية، مثل السفير أو المحامي أو الكاهن أو السكرتير، في إطار طبقات من الإدارة البيروقراطية، التي بدأت في الظهور في أوروبا خلال القرن الخامس عشر. وكان ينظر إلى التدريب في الترجمة وكتابة الخطابات والخطابة العامة على يد الإنسانيين باعتباره تعليما رائجا بدرجة عالية بالنسبة لمن أرادوا الانضمام إلى طبقات الصفوة الاجتماعية .
يبدو هذا منفصلا بدرجة كبيرة عن الصورة الرومانسية المثالية عن الإنسانيين الذين ينقذون كتب الثقافة الكلاسيكية العظيمة، ويستلهمون حكمتهم في خلق مجتمع متمدن، لكن هذه هي الحقيقة. فالحركة الإنسانية في عصر النهضة كان لها هدف براجماتي يتمثل في توفير إطار عمل للتقدم المهني، ولا سيما إعداد الرجال للحكم. ويرتكز تعليم الإنسانيات الحديثة على النموذج نفسه (المصطلح نفسه مشتق من التعبير اللاتيني: الدراسات الإنسانية). فهو يعد بنفس الفوائد، ويحتفظ بالعيوب نفسها - وإن كان هذا محل جدل. فيعتمد على افتراض أن الدراسة غير المهنية للفنون الحرة تجعلك شخصا أكثر تحضرا، وتمنحك المهارات اللغوية والبلاغية المطلوبة للنجاح في بيئة العمل. ولكن تظل هناك توترات كامنة في هذا الافتراض، وهي توترات يمكن تعقب آثارها إلى الحركة الإنسانية في عصر النهضة.
يمكن تتبع الكثير من هذه الصراعات في الحياة المهنية لجورج من تريبيزوند؛ إذ إنها تكشف أن تطور الحركة الإنسانية في عصر النهضة كان مهمة عملية شاقة فكريا، تتضمن فحص النصوص الكلاسيكية وترجمتها وتحريرها ونشرها وتعليمها. ويوحي دمج جورج لمجالات الكتابة والترجمة والتعليم بأن نجاح الحركة الإنسانية كان يتحقق بصفة أساسية في إطار الفصول الدراسية كإعداد عملي للتوظيف. وأدخلت مناهج وأساليب جديدة لتدريس المهارات المطلوبة من التعليم الإنساني، والتي تتطلب براعة فائقة. لقد كانت الحركة الإنسانية تعتمد على خلق مجتمع أكاديمي لتدريس ونشر أفكارها، ولكن أعضاءها كانوا يتصارعون كذلك حول طبيعة تطور الحركة الإنسانية واتجاهها؛ مما أدى إلى النزاعات القاسية والتنافسات المريرة التي عانى منها جورج، والتي عرضت حياته المهنية للخطر. وقامت الحركة الإنسانية بتسويق مهاراتها للصفوة الحاكمة التي تم إقناعها بتقدير الخبرة اللغوية والبلاغية والإدارية التي كان يوفرها التعليم الإنساني.
ومع ذلك، كان هذا الترويج للحركة الإنسانية يواجه غالبا المشكلات، مثلما اكتشف جورج أثناء محاولته تحويل ولائه الفكري ومهاراته الإنسانية من راع ذي نفوذ (البابا بولس الثاني) إلى آخر (محمد الفاتح). ونتيجة ذلك، ركزت الحركة الإنسانية جهودها على نشر طريقتها من خلال الفصول الدراسية، والوسيلة الثورية المتمثلة في آلة الطباعة. فقد أتاح التحالف بين الطباعة والحركة الإنسانية للباحثين توزيع نسخ موحدة لمطبوعاتهم بأعداد هائلة تفوق بكثير الإمكانات الإنتاجية لنسخ المخطوطات. وتمثل تأثير هذا الاتحاد في نهضة لاحقة في معرفة القراءة والكتابة وفي المدارس، مما تمخض عنه تأكيد غير مسبوق على التعليم كأداة للحياة المجتمعية.
محترفو الإقناع
تبدأ قصة الحركة الإنسانية في عصر النهضة بالكاتب والباحث الإيطالي في القرن الرابع عشر بيترارك. كان بيترارك وثيق الصلة بالمقر البابوي في أفينيون في فرنسا حيث كان والده يعمل موثقا عاما - وهو باحث ماهر في فن إدارة المجموعة الهائلة من الوثائق الصادرة عن الشئون الباباوية. وقد اعتمد بيترارك على هذه التقاليد الدراسية في اهتمامه بالسمات البلاغية والأسلوبية الخاصة بمجموعة من الكتاب الرومان الكلاسيكيين المهملين، لا سيما شيشرون وليفي وفيرجيل. وبدأ يجمع نصوصا مثل كتاب ليفي «تاريخ روما»، ويقارن أجزاء من مخطوطات مختلفة، ويصحح الأخطاء اللغوية، ويحاكي أسلوبها في كتابة صيغة للغة اللاتينية أكثر طلاقة من الناحية اللغوية، وأكثر إقناعا من الناحية البلاغية.
كما كان بيترارك يقلب المكتبات والأديرة بحثا عن النصوص الكلاسيكية، وفي عام 1333، اكتشف مخطوطة خطبة للسياسي والخطيب الروماني شيشرون، عنوانها «خطبة إلى أرخياس»، وكانت تناقش فضائل «الدراسات الإنسانية». وصف بيترارك الخطبة بأنها «مليئة بالإطراءات الرائعة للشعراء». وكان شيشرون شخصية حاسمة بالنسبة لبيترارك، وبالنسبة للتطور اللاحق للحركة الإنسانية؛ لأنه قدم طريقة جديدة للتفكير بخصوص كيفية دمج الفرد المثقف للجانب الفلسفي والتأملي للحياة مع بعدها الأكثر نشاطا وعمومية. وفي نصه الشهير الذي يحمل عنوان «عن الخطيب»، طرح شيشرون هذه المشكلة بمقارنة البلاغة والخطابة من ناحية، والفلسفة من ناحية أخرى. إذ يرى شيشرون أن «فن الخطابة بأكمله متاح للدراسة، ويهتم إلى حد ما بالممارسات والعادات والأحاديث العامة للجنس البشري». أما الفلسفة، من الناحية الأخرى، فتتضمن التأمل الخاص بعيدا «عن الاهتمامات العامة»، وتكون في الواقع منفصلة «عن أي نوع من الأعمال». وقد استخدم بيترارك التمييز بين العلمين الذي أوضحه شيشرون في أطروحته «الحياة المنعزلة» في مناقشته لدور الفيلسوف ودور الخطيب:
Página desconocida