من نازل البستان؟
وإنه لمن المؤلم حقا أن يتفقا على أن يأخذ أحدهما بدنه، والآخر خاتم الخلافة وشاراتها! ومن المؤلم حقا أن تختم حياته بمأساته المروعة.
هوامش
الفصل الرابع
الخليفة المأمون
(1) توطئة
من تحصيل الحاصل أن نقول ما يقوله الفخري وغيره من أن المأمون كان من أفاضل الخلفاء وعلمائهم، وحلمائهم وحكمائهم، أو أنه كان دينا، عارفا بالعلم، فيه دهاء وسياسة، أو أنه كان فطنا ذكيا، أو أنه كان كاملا عالما جوادا، عظيم العفو، ميمون النقيبة، حسن التدبير، جليل الصنائع، لا تخدعه الأماني، ولا تجوز عليه الخدائع، علمه بما بعد عنه كعلمه بما حضر، أو أنه كان متصفا بالعدل والحلم.
من تحصيل الحاصل أن نقول ذلك لأنه معلوم متعارف من ناحية، ولأن خطتنا في كتابتنا ومنجهنا في بحوثنا أن نترك للحوادث الكلمة الفاصلة في تحليل صفاته اتباعا للطريقة التحليلية التي اتبعناها فيما كتبناه عن سواه.
وقد أسلفنا لك القول في بيان حياة المأمون قبل الخلافة، وفصلنا لك ما كان من أمر النزاع بين الأخوين، ووصلنا بك إلى مأساة تلك الحرب الشعواء والفتنة العمياء، ألا وهي قتل محمد الأمين في 25 محرم سنة ثمان وتسعين ومائة، والآن نتقدم إلى القول بأن المأمون بويع له بالخلافة العامة في ذلك التاريخ، واستمر كذلك إلى أن توفي غازيا في 19 رجب سنة 218ه، فتكون خلافته قد أنافت على عشرين سنة، أقام منها في خراسان حتى منتصف صفر سنة 204، حين انتقل إلى بغداد مقر الخلافة العباسية.
فيمكننا إذن أن نقسم كلامنا عن حكم المأمون إلى مدتين: المدة الخراسانية، والمدة البغدادية، وفي بيان هاتين المدتين بيان للحالة السياسية الداخلية في عصره، وهو ما سنعالج الكلام فيه الآن. (2) السياسة الداخلية
Página desconocida