Utilitarianism »، و«الحرية
Liberty ».
ولقد أساء نقاد مل فهم «برهان» مل المزعوم على مذهب المنفعة؛ فقد كان مل يدرك بكل وضوح التمييز بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون؛ أي بين الأقوال المعبرة عن الواقع، والأحكام التي تشير إلى ما ينبغي عمله. ويشرح مل بوضوح تام في كتابه «المنطق» - وهو كتاب أغفله الكثيرون من نقاد فلسفته الأخلاقية - فوضع التفرقة الأساسية الممكنة بين العلم والأخلاق، التي يصفها على نحو له دلالته بأنها «فن». فلم يكن في ذهنه خلط خطير حول التمييز بين المرغوب فيه والجدير بأن يكون مرغوبا فيه، كما لم يتوهم أبدا إمكان استنباط علم للأخلاق من القوانين النفسية أو الاجتماعية للسلوك البشري. فمل، مثل بنتام، يرى أن من الواجب الحكم على الأفعال بنتائجها، غير أن من الواجب أن يفرض العلم تلك النتائج التي ينبغي تفصيلها. وفضلا عن ذلك فإن مبدأ المنفعة الذي ينص على أن الأفعال لا تكون قويمة إلا بقدر ما تؤدي إلى السعادة العامة، أو إلى أعظم سعادة لأعظم عدد من الناس، هو مبدأ سلوكي، وليس تعريفا نوضح فيه الوظيفة المنطقية لكلمة «القويم». وبالاختصار، فقد كان مذهب المنفعة عند مل، كما كانت عند بنتام، أسلوبا للحياة، لا نظرية في اللغة المستخدمة في الأخلاق. وعلى هذا النحو فسرها في القرن التاسع عشر معظم خصومها، فضلا عن أنصارها.
وإذن فالأخلاق هي، أو ينبغي أن تكون، فن السعادة الفردية والاجتماعية. ومل يفهم كلمة السعادة أو الرفاه من خلال فكرة الإرضاء المنسجم لرغبات الفرد. والواقع أن بين نظرة مل «الشاملة
generic » إلى السعادة، وبين نظرة أرسطو إليها، عناصر مشتركة كثيرة، والفارق الرئيسي هو أن مل يؤمن بأن للبيئة تأثيرا أعظم، ويرى أن الطبيعة البشرية ذاتها أكثر قابلية للتغير. وإذا كانت النزعة الإنسانية لدى اليونانيين القدماء قد صادفت ثناء حارا لكونها مذهبا أخلاقيا رحبا ينظر فيه إلى سعادة الإنسان على نحو يعمل فيه حساب كامل لجميع رغبات الإنسان وقدراته، فإن نظرة مل إلى السعادة لا تقل عن ذلك رحابة، وإن يكن موضع التأكيد فيها قد اختلف إلى حد ما، فهو مقتنع بأن الإنسان حيوان اجتماعي مثلما أنه حيوان عاقل، وبأن قدرا كبيرا من سعادته يتوقف على إرضاء نزعاته الاجتماعية ومشاعره المتجهة إلى الآخرين. وقد اتهمت بعض الصور الأقدم عهدا لمذهب اللذة
hedonism
بأنها ذات اتجاه أناني، وربما كان هذا يصدق على الأبيقورية، ولكن ليس من العدل توجيه اتهام كهذا إلى مذهب المنفعة كما عبر عنه مل؛ فهو يرى أن الحياة التي تتركز حول التماس اللذة الشخصية تؤدي إلى ضياع للذات لا يقل عن الضياع الذي يؤدي إليه أي نمط آخر للسلوك لا ينتظم النطاق الكامل للمشاعر البشرية.
ويرى مل أنه ليست ثمة مشكلة خطيرة تتعلق بإيجاد باعث لمبدأ المنفعة؛ فهذا الباعث موجود بالفعل، من حيث المبدأ، في الصور الأبسط للتعاطف البشري أو المشاركة الوجدانية. والمشكلة الأخلاقية الرئيسية هي، على العكس من ذلك، مشكلة التفتح والتنور الذهني. فلو أحسن الناس فهم أنفسهم، ولم تلههم الأفكار الباطلة عن موقف الإنسان، التي بثتها في نفوسهم العقائد الباطلة والفلسفات الزائفة والحكومات الفاسدة، لكان التقدم الأخلاقي للبشر أقل تعثرا. وأهم ما يلزم لتحقيق التنور الذهني في الوقت الحالي هو، في رأي مل، الحرية
Liberty ؛ فالعامل الاجتماعي الرئيسي الذي يعترض طريق السعادة الفردية والجماعية في الحياة الحديثة هو انتشار تدخل الأنظمة الرسمية وغير الرسمية في محاولة الفرد تنمية ذاته. ومن الأمور التي لا يتنبه إليها معظم نقاد مل، أنه يعترف بأن أية صورة للمجتمع المنظم لا بد أن تؤدي، بدرجة ما، إلى إحباط رغبة الفرد في أن يفعل كل ما يشاء؛ فذلك حقا من نوافل القول. وإنما المشكلة هي أن هذا الإحباط لم يعد، منذ زمن بعيد، يخدم السعادة العامة. فمن المعقول ومن الضروري، بلا جدال، أن تقيد حرية الفرد، على أن يقتصر ذلك على المدى الذي تكون فيه تلك القيود ضرورية لتنمية الآخرين لذواتهم.
وربما كان دفاع مل المتحمس والمعقد عن الحرية أقوى وأخصب دفاع ظهر عن المجتمع المفتوح
Página desconocida