فعندما نقول إن الضوء يسير في أقصر الطرق زمنا، ندرك في تعبير كهذا أمورا كثيرة، ولكنا لا نعرف حتى الآن لماذا يفضل الضوء أقصر الطرق زمنا. ولو قلنا إن السبب هو حكمة الخالق، لسددنا بذلك الطريق على كل معرفة تالية للظاهرة. وإنا لنعلم اليوم أن الضوء يسير في جميع الطرق، ولكن موجات الضوء تقوي بعضها بعضا في أقصر الطرق زمنا فحسب، بحيث لا تحدث نتيجة ملحوظة إلا في حالة هذه الطرق. وهكذا يبدو فقط أن الضوء يسير في أقصر الطرق زمنا. وبعد أن أزيحت الأفكار المغرضة السائدة حول هذه المسائل ، اكتشفت على الفور، إلى جانب الاقتصاد المفروض في سلوك الطبيعة، حالات ظهرت فيها أوضح أمثلة الإسراف فيها. ومن قبيل هذه الحالات، ما أشار إليه «ياكوبي
Jacobi »
5 «في صدد مبدأ الفعل الأدنى»
principle of least action
الذي قال به «أويلر
Euler ».
6
وإذن فكثير من الظواهر الطبيعية تبعث فينا اعتقادا بوجود الاقتصاد فيها، لا لشيء إلا لأنها لا تظهر للعيان إلا عندما يحدث عرضا تراكم اقتصادي للنتائج. وتلك هي نفس الفكرة التي قال بها دارون في ميدان الطبيعة العضوية، مطبقة هنا على مجال الطبيعة غير العضوية؛ فنحن نيسر بغريزتنا فهمنا للطبيعة بأن نطبق عليه الأفكار الاقتصادية المألوفة لدينا. •••
وهنا يكون للمرء كل الحق في أن يوجه السؤال الآتي:
إذا كانت وجهة النظر اللاهوتية التي أدت إلى وضع مبادئ الميكانيكا باطلة تماما، فكيف حدث أن جاءت هذه المبادئ ذاتها صحيحة في جميع النقط الأساسية؟ والجواب على ذلك يسير؛ فمن الملاحظ أولا أن وجهه النظر اللاهوتية لم تكن هي مصدر مضمونات المبادئ، وإنما حددت شكلها فحسب، أما المادة فقد استمدت من التجربة. وكان من الممكن أن يحدث تأثير مماثل لهذا بفضل أي نمط فكري سائد، كموقف تجاري من ذلك النوع الذي أثر، على الأرجح، في تفكير ستفنوس
Página desconocida