ولم يكن عبد الحميد ساذجا ولا عبيطا. وإنما مارس الحياة ومارسته وعرف فيما قبل الزواج كل ما يعرفه الشباب قبل الزواج من لهو ومتعة، بل ولعله بالغ بعض الشيء في لهوه ومتعته. وحتى إذا تزوج أصبح لا يعرف غير زوجته وعمله والصلاة والصوم والعبادة أعمق ما تكون العبادة.
وكنا حين نلتقي بعبد الحميد نصبح على ثقة أن الحديث لن ينقضي أو يأتي بذكر زوجته مرتين أو ثلاثا على الأقل. ولما كان يكبرنا في السن فقد كنا نخجل أن نعلق على حديثه هذا بغير ما يحب.
حتى كان يوم سمعنا فيه عجبا. لم تكن زوجة عبد الحميد أهلا لهذا الحب وهذا الوفاء.
وقد اكتشف هو الحقيقة المروعة ولكنه ظل ثابتا كالطود يجد في صلاته وصيامه ملاذه الذي يلوذ به من النكبة النكباء التي تزلزل الجبال الشم.
كانت زوجته في ريعان العمر، ولم يكن هو يسبقها في العمر بسنوات كثيرة، فكان عدم وفائها لا تبرير له إلا أنها نوع من النساء لا يعرف كيف يكون وفيا. طلق زوجته ومشت الحياة.
وعرفت سيدة فاضلة تصلح زوجة لعبد الحميد، إلا أنني أخشى أن أتدخل في مثل هذه الأمور؛ فإن الصلة بين الزوج وزوجته صلة لا مثيل لها في الصلات، وأخشى أن تكثر بينهما المشاجرات فيلعنني كل منهما في كل مشاجرة، وأنا لا أحب أن ألعن بغير مناسبة.
إلا أنني استخرت الله وقلت أقوم بالتجربة.
عرضت الأمر على عبد الحميد فرحب، وعرضت الأمر على السيدة وأهلها فقالوا لا بد للعريس أن يعلم أنها لا تنجب؛ فقد تزوجت من قبل ولم تنجب.
سألته فقال: وأنا أيضا تزوجت من قبل ولم أنجب، ولا حاجة بي إلى الإنجاب. وتزوجا منذ خمسة وعشرين عاما. وقبل أن ينقضي العام الأول جاءني عبد الحميد: لن تصدق! - ماذا؟ - زوجتي. - ما لها؟ - حامل. - غير معقول. - تلك إرادة الله. - أجاد أنت؟ - تلك إرادة الله.
ثم أنجبت فتاة أسمياها اسما حبيبا إلي وكأنهما أرادا أن يشيرا إلى أنهما يلعنانني كثيرا، والفتاة الآن في السنوات الأخيرة من الجامعة.
Página desconocida