نقبل منه هذا الكلام ونردده من ورائه.
وحين يرتفع صوت الشرقاوي في رواياته يقبل منه الناس هذا الصوت المرتفع في مسرحياته؛ الفتى مهران، ووطني عكا، والنسر الأحمر، وغيرها، وينظرون إلى مسرحه في تقدير.
والواقع أن الشعر الحديث في المسرحية يقع في المكان الذي خلق له؛ لأنه يضفي على الحوار نوعا من الموسيقى والجرس، مع تحرر الشاعر من القافية، وإطلاق يديه في تنويع الحوار، والسير إلى حيث تبتغي المشاهد والمواقف.
ولهذا لم يكن عجيبا أن تنجح مسرحيات الشرقاوي، ويتخلج الشعر الحديث على الطريق ولا يستطيع أن يبلغ من نفوس الناس ما بلغه الشعر.
وعودا إلى الصوت المرتفع. أعتقد أن القراء أنفسهم يحبون في العمل الفني أن يصلوا إلى خوافي معانيه بشيء من الجهد يبذلونه مع الكاتب، حتى إذا أغناهم الكاتب الروائي أو القاص عن هذا الجهد انصرفوا عن العمل جميعا في غير احتفاء ولا تقدير.
قردة
يأتي على القرد لحظات يخيل إليه أنه أصبح إنسانا أو قريبا من الإنسان. وتعاود هذه الحالة بالذات القردة المعروضة في حدائق الحيوان؛ ذلك أن الأطفال وأحيانا الكبار يتحلقون حولها، ويلقون إليها بأصابع الموز إن أرادوا إكرامها، وبحبات الفول إن أرادوا أن يشهدوا حركاتها وهي تقشره وتأكله.
فإن زادت حلقات الناس خيل لبعض القرود أنهم أصبحوا على قدر من الأهمية، فترى القرد منها يشيح عن الإنسان الذي أكرمه، ويصرف عنه وجهه واهتمامه، واهما أنه أصبح أعظم منه شأنا وأرفع منزلة.
وترى القرد منها يتقافز على أعراف الشجر الصناعية وينط على أسياخ الحديد، فإذا هو في أعلاها، وحينئذ يخيل إليه أنه أصبح أعلى قامة من الإنسان. ولو لم يكن قردا لأدرك أنه مهما يتقافز ينط فسيظل قردا، ويظل الإنسان إنسانا، كما يظل أيضا النجم نجما والقمر قمرا.
وفي عالم الأدب نجد شاشة التليفزيون قد جعلت بعض القرود يظنون أنفسهم آدميين. ولو راغوا إلى أنفسهم من أعين الناس ومن عقولهم لأدركوا أن الناس لا تراهم إلا قردة مهما يتقافزوا وينطوا، ولكنهم هم يرون أنفسهم من داخل أنفسهم ومن عيون ذواتهم، ولكم تخادع نفسها النفس، ولكم تكذب العين صاحبها فتوهمه أنه أصبح شيئا وما هو بشيء، وأنه يستطيع أن يصدر الأحكام ويقسم الأقسام، وهو هو نفسه لا يجوز أن يكون موضوع حكم؛ لأن الحكم لا يكون إلا على موجود وهو غير موجود، والأقسام لا تكون إلا بين كيانات قائمة وهو لا كيان له وكينونة.
Página desconocida