إن ما أصاب هذا الرجل هو ما جعلني أمسك القلم؛ فقد ذكرت الأدباء الشبان وما يريد البعض من كبار الأدباء ومن الجمعيات الأدبية أن يصنعوه لهم.
وقد تعجب أين الصلة بين الجانبين؛ رجل مجنون من ناحية وشباب ممن يراد لهم أن يكونوا أدباء من ناحية أخرى.
هي المصير الواحد؛ فلو أن الأديب الكبير شجع كل من يريد أن يكون أديبا، حتى ولو لم يكن متمكنا، لأصيب هذا الناشئ بالجنون؛ فليس في الأدب واسطة. وقد كان أستاذنا توفيق الحكيم في لجنة القصة في المجلس الأعلى القديم يطلب إلى الأعضاء عند اختيار رواية أو مجموعة قصصية أو مسرحية في مشروع الكتاب الأول ألا نقبل إلا الموهبة الفذة لأن الفن لا يعرف التوسط. ومن الإجرام أن تقنع شخصا بغير موهبة أنه أديب ثم يفجعه الجمهور في حقيقة أمره.
إن مصيره المؤكد أنه سيسير في الشارع معلقا الميدالية التي نالها من الأديب الكبير ولن يلتفت إليها أحد؛ فمرة أخرى ليس في الأدب وساطة، والجمهور مع الفن جميعا لا يعرف رحمة ولا شفقة، وإنما هو يريد الأحسن ولا يحتاج في ذلك إلى شفاعة. والموهبة تفرض نفسها على الجمعيات الأدبية وعلى الأدباء الكبار وعلى الجمهور إذا كانت موهبة حقا، ولم تكن مجرد بهلوانية وهدايا وكلمات معسولة تلقى هنا أو هناك. ذكرت هذا وأنا أختلس النظر إلى الخطيب الذي علق الميدالية وعاش عمره بعدها يخطب لنفسه. ولله في خلقه شئون.
ملبس أجرب لزمن ممزق
ما هذا الزمان الذي أصبحت فيه القذارة هي مظهر الأناقة، والصعلكة هي التطور، والملابس الممزقة هي مجاراة العصر، ومظهر إشراقه وجماله؟ لقد تمزق العصر وظهر تمزقه على الملابس، وأصبحت القيم هي الأخرى جرباء فأصبح الملبس أجرب.
رأيت نساء حليقات الشعر كأنهن الرجال، بل رأيت في التليفزيون الفرنسي امرأة ملونة بلا شعر على الإطلاق. وما زال كثير من الشباب - وإن كان أقل من ذي قبل - يطلقون شعورهم، فما أثار منظر اشمئزازي قدر منظر المرأة بلا شعر، ومرأى الرجل يطلق لشعره العنان.
ورأيت في لوزان آنسة كان يمكن أن تكون جميلة، ولكنها راحت تحارب ما وهب الله لها من جمال بشتى الوسائل والحيل حتى نجحت فيما قصدته، وبلغت من أهداف القبح ما سعت إليه؛ فشعرها منفوش يوحي بالقذارة، وملبسها مترهل عن عمد لا عن فقر، فواضح أنه قد كلفها من المال كثيرا وإن كان لم يكلفها من الذوق شيئا.
ورأيت شبابا لحاهم مهملة؛ فلا هي حليقة ولا هي مطلقة وإنما شيء بين الاثنين، لا أدري كيف يحافظون عليه على حاله هذه دون تغيير.
وأرى كثيرا من مدعي الفن يطلقون لحاهم علم الله أنهم يريدون أن يلفتوا إليهم الأنظار، وقعدت بهم مواهبهم أن يلفتوا الشهرة إليهم بأعمالهم، فحاولوا ذلك بلحاهم، ولن يهب الله فنا لمجرد لحية.
Página desconocida