قالت: «كنت جارية لبعض الناس وأعتقني سيدي لوجه الله. فطلبني شاب عرفني وعرفته وتحاببنا وتواعدنا على الزواج، ثم رآني رجل من بطانة أمير المؤمنين يقال له الحارث السمرقندي، فتقرب إلي وخطبني لنفسه، فأبيت عليه ذلك.»
فلما سمع ضرغام اسم الحارث ذكر ما سمعه من حماد فقال: «وما اسم خطيبك؟» قالت: «حماد.»
قال: «فأنت إذن ياقوتة؟!»
فلما سمعته يذكر اسمها دهشت وتلعثم لسانها وقالت: «كيف عرفت ذلك يا مولاي؟ هل تعرف حمادا؟ أين هو؟»
قال: «عرفته ولكن لا سبيل إليه الآن. وسأقص عليك خبره فيما بعد. فأتمي حديثك.»
فلم تعد تعرف كيف تتكلم لشدة فرحها فقالت: «فلما أبيت على الحارث ما أراد وسط القاضي أحمد لدى أمير المؤمنين، فطلب الخليفة أن يراني، فلما مثلت بين يديه نظر إلي طويلا ثم أودع أذن القاضي كلاما وأمرني أن أبقى عند الحارث بلا زواج حتى يبدي رأيه في. فأخذني الحارث إلى منزله وحبسني وأخذ يحاول إقناعي بأن أقترن به، تارة بالحسنى وطورا بالتهديد. حتى جاءني منذ بضعة أسابيع وهو يهزأ بي ويقول: «إن خطيبك غادر سامرا.» فلم أصدقه، وعزمت على الفرار إلى حماد وهو على مقربة من قصر الخليفة. فأدركني هذان الرجلان وهما من أعوان الحارث وأرادا إرجاعي، ولما رفضت الرجوع هدداني فصحت الصيحة التي سمعتها وجئت لإنقاذي، جزاك الله عني خيرا.»
فلما فرغت من حديثها سره أنه أنقذها إكراما لصديقه، ولكنه تذكر أن حمادا برح همذان في الليلة التي فارقه فيها ولا يعرف مقره، فظل ساكتا وهو يفكر في ذلك وصورة جهان أمام عينيه وهو يناجي نفسه: «هل يتاح لجهان من ينقذها يا ترى كما أنقذت أنا هذه الفتاة؟» ظل برهة يفكر في ذلك وياقوتة ماشية إلى جانبه وقلبها يخفق سرورا وقلقا وهي تتوقع أن تسمع منه ما يعلمه عن حبيبها، فلما استبطأته قالت: «وعدتني يا مولاي أن تخبرني عن حماد. هل خرج من سامرا؟»
قال: «نعم، خرج منها كما قال لك الحارث.»
قالت: «وأين هو؟» قال: «لا أدري. وقد لقيته منذ بضعة أيام في مكان خارج بغداد، وأخبرني أنه مسافر إلى حيث لا يعلم، وقد قص علي غضبه من الحارث والخليفة من أجلك. كوني على ثقة أنه شديد المحافظة على ودك.»
فلطمت خدها بكفها وقالت: «ويلاه وأين أذهب وأين أبيت وكيف أعرف مقره؟!»
Página desconocida