فازداد تعجبه وهو يعلم أنها لا تلقي الكلام جزافا فقال: «أتقولين ذلك تخمينا أم أن هنالك سببا تكتمينه؟»
فقالت: «ربما كان ذلك. وهب أني لم أكتم سببا، فلو جاز لي أن أقوله لك لقلته، دعنا الآن من سامان وأخبرني عن جهان عروس فرغانة كيف هي؟ إني أحبها وأعجب بذكائها ولطفها.»
فلما سمع إطراءها جهان شغل بها عن رغبته في استطلاع خبر سامان وطاب له التحدث عن حبيبته فقال: «إن جهان جديرة بإعجابك، وهي موضع إعجاب الفرغانيين على بكرة أبيهم. إني لم أر مثلها بين النساء ولا مثل جمالها وتعقلها. وكم تمنيت أن يمن الله عليك بالبصر لتشاهديها.»
وحينما سمعت إعجابه بها آنست منه ميلا شديدا إليها فقالت: «أراك كثير الإطراء لسجاياها، ولا ألومك على ذلك ؛ إذ لم يفتني من مشتهيات المبصرين في هذه الدنيا إلا رؤيتك ورؤيتها.» وتنهدت وقالت: «هذا نصيبي من دنياي، وأحمد الله أنه أنار بصيرتي ومن علي ببقائك. وإذا فاتني أن أراك بعيني فلم تفتني رؤيتك بقلبي. أما جهان فلم أحب فتاة مثل حبي لها وهي أيضا مرسومة في قلبي.» قالت ذلك ومدت يدها إلى صدر ضرغام وهي تظهر أنها تحاول ضمه فأحست بخفقان قلبه فتحققت حبه لجهان وهو لا يفقه مرادها ثم قالت: «إني أحب جهان يا ضرغام فهل أنت تحبها؟»
فقال: «نعم يا أماه. ولا أظنك ترين بأسا بذلك؛ لأنك وضعتها في قلبك معي كما تقولين.»
قالت: «لا أرى بأسا. ولكن هل هي تحبك أيضا؟ إنها بنت المرزبان وقد كنا أضيافا في قصر أبيها. فربما حسبت نفسها أرفع منك مقاما على عادة أهل اليسار. ولا لوم عليها إذا فعلت ذلك لأنها لا تعرف أباك.» ولم تكد تقول ذلك حتى تصاعد الدم إلى وجهها ثم أمسكت كأنها ندمت على ما فرط منها.
فقال: «اطمئني يا أماه، إن جهان تحبني حبا شديدا، وهي بحمد الله بمنجاة من الكبرياء، وقد تعاقدنا على الزواج وهي لا تعرف نسبي، والآن وقد جرنا الحديث إلى ذلك ألا ترين أنه قد آن لك أن تبري بوعدك؟»
فعلمت أنه يستنجزها وعدها ليعرف اسم أبيه فقالت: «لم يجئ الوقت يا ولدي، وسيأتي قريبا. عد بي إلى حديث جهان فإن خبر خطبتها يفرحني وطالما تمنيت وأنا أحسبه بعيدا. فهل حدث ذلك على يد أبيها؟»
فقال: «أعترف لك الآن بسرنا فقد تعاقدنا على الزواج قبل مجيئي معك إلى سامرا، ولم أبح لك قبلا لأني لم أكن أحسب نفسي أهلا لها وأنا يومئذ لا شأن لي، فلما وفقني الله إلى المنصب الذي نلته عند أمير المؤمنين احتلت في الذهاب إلى فرغانة لأعلمها وأتمم العقد على يد أبيها فذهبت فوجدتها عند عهدنا. وكدنا نعقد القران لولا مرض أبيها ووفاته فأجلنا هذا الأمر إلى فرصة أخرى.»
قالت: «وهل تنوي إن تزوجتا أن تقيما بفرغانة ، أم تأتي بها إلى هنا؟»
Página desconocida