ثم أشار بيده إلى الشرق وقال: «وقد مضت علي برهة وأنا أنظر إلى هذه الجهة فأرى في الأفق البعيد غبارا كثيفا محلقا في الجو، وأتوقع دنوه فلعله غبار قطيع من الخيل قادم إلينا فأبتاع منه فرسا أو فرسين للذبح. وإذا شاءت مولاتنا المكث هنيهة أخرى وتنازلت بأن تتناول الطعام عندنا ذبحت لها فرسا سمينا.»
فاستحسنت جهان أريحية الرجل وخفة روحه وابتسمت له، ففهم أنها رضيت فأمر أحد أبنائه بملاقاة القطيع وتعجيله، فأسرع الغلام يعدو واشتغل الشيخ بإعداد المائدة ثم أتى ببطيخة وضعها بين يدي جهان وقال: «وهذه بطيخة من بطيخ بخارى المشهور بحلاوته سنذبحها لمولاتنا في جملة الذبائح!»
فاستغربت جهان وجود هذا البطيخ عنده وهو مما يتفاخر باقتنائه الكبراء. ولم يفت الرجل ما جال في خاطرها فاستدرك قائلا: «أهداني هذه البطيخة شاب مغرم جاء ليطلب إلي إحدى بناتي فأتى بهذه البطيخة في جملة الهدايا.»
فلما سمعت جهان ذكر الغرام تذكرت لوعتها، فتنهدت وأومأت إلى الشيخ أن يحتفظ بالهدية وقالت: «احفظ الهدية لصاحبتها.»
وأراد الشيخ أن يجيبها فسمع صوتا يناديه فالتفت فرأى ابنه راجعا يعدو وهو يلهث من التعب ويقول: «إن رعاة القطيع لا يبيعون من قطيعهم شيئا.»
ونظرت جهان إلى جهة الغبار المتصاعد من قطيع الخيل القادم، فرأت في مقدمته فارسا على جواد مسرج ، ووراءه عشرات من الخيول عارية تتزاحم وتتراكض، وعلى بعضها رعاة من بدو الكرج الذين يعيشون في براري تركستان على رعاية الخيل والماشية. ورأت الفارس الأول لابسا لباس الجند وبيده راية على رمح لم تنتبه للاسم الذي طرز عليها ولو قرأته لارتعدت فرائصها.
أما الشيخ فأسرع إلى الفارس واستوقفه وقال: «ألا تبيعوننا فرسا من هذه الأفراس؟»
فأجاب الفارس بأنفة وعجرفة: «كلا.»
قال: «أنا في حاجة إلى ذبيحة فنعطيكم الثمن الذي تريدونه.»
فأدار رأسه يمنة ويسرة إشارة إلى الرفض. ولكن الشيخ عاد فسأله: «ولماذا لا تبيعون؟»
Página desconocida