قالت: «زوجك البطريق الذي قصصت علي خبره؟!»
قالت: «نعم، هو هو ... الحمد لله على لقائه، ولك الهناء ببلوغك مقر خطيبك.»
وسألت جهان: «أين ضرغام؟» فقال وردان: «إنه في عمورية وإنهم سينتظرونه في سامرا.» ومشوا نحو سامرا وكل فرح بما لديه. وقضوا مسافة الطريق يتحدثون بما مر بهم من الغرائب. وقص وردان على جهان ما حظي به ضرغام عند المعتصم وكيف سماه الصاحب وأسباب ذلك، وأخبرها خبر حماد وخطيبته ياقوتة وما بينهما من الشبه العجيب.
ولما وصلوا إلى سامرا بعث وردان بسامان إلى صاحب السجن، وقال له: «إن الصاحب يأمر بسجن هذا الجاسوس.» وبعث كذلك إلى آفتاب ينبئها بقدوم جهان فكان لالتقائهما دهشة يندر مثلها، وآفتاب لا تمل لمس جهان وضمها وتقبيلها. أما ياقوتة فكان فرحها بحماد عظيما، وكانت عالمة ببقائه حيا ولكنها دهشت لما رأت جهان فظنت أنها ترى نفسها بمرآة لشدة المشابهة بينهما ولم تكن جهان أقل اندهاشا منها. فلما أتم وردان مهمته عزم على الرجوع إلى عمورية فرجع حماد معه.
ومكث أهل الجوسق على مثل الجمر في انتظار ضرغام.
وبعد بضعة عشر يوما جاءت البشائر برجوع المعتصم وجنده ظافرا، فزينت سامرا واصطفت المواكب والجنود ورفعت الأعلام وضربت الطبول وضجت المدينة فرحا، وخرج النساء والرجال للفرجة، واشتغل الناس بهذا الاحتفال عن كل شيء.
أما جهان فإنها لم تكن تسمع صوتا ولا ترى شبحا وإنما كانت عيناها شائعتين نحو باب الجوسق لعلها تشاهد ضرغاما داخلا في موكب الخليفة فلما دخل الخليفة لم تر أحدا.
وفيما هي في لهفتها سمعت سعالا في الدار فارتعدت فرائصها؛ لأنه كان سعال ضرغام، فأرادت أن تجري للقائه فلم تسعفها قدماه واحمر وجهها ثم علاه الاصفرار ولكنها تجلدت وتمالكت واستعادت رباطة جأشها ومشت. وكان ضرغام قد دخل الغرفة فرأى جهان تمشي مشية الجلال والوقار وعيناها تتكلمان كأنهما خطيب على منبر يدعو الناس إلى التعبد أو إلى التفاني في الحب. فانحنى مسلما وبوده أن يكون سلامه معانقة لولا العادة التي تحول دونه. ثم وقف ومد يده إليها فمدت يدها وابتسما ابتسامة أغنت عن حديث طويل ثم قال: «مرحبا بعروس فرغانة. لقد أطلت علينا الغياب وطال بنا الطريق، مع أن طريق المحبين قصير على ما يقولون!»
فضحكت وقالت: «طال الطريق لوعورته وكثرة عقباته. ولكن ماء السكر كلما زدته غليانا زادك حلاوة.»
قال: «لكني خشيت أن يجف ماؤه فيحترق.»
Página desconocida