فأرادت مغالطتها فقالت: «أتستغربين انقباضي وأنت ترين أبي مريضا بالنقرس منذ أعوام. وقد سمعت طبيبه يصرح بضعف الأمل في شفائه؟! إنني إذا أصيب أبي بسوء أصبح وحيدة لا أهل لي هنا، ولست أعرف أهل أبي في بلاد فارس ولا أهل أمي في بلاد القوقاز، ولا أدري مع ذلك كيف ...!» وغصت بريقها.
فقالت القهرمانة: «إن مرض سيدي المرزبان لم يحدث بغتة، وقد كنت تخافين على حياته من قبل ولم يبد عليك مثل هذا الانقباض ... وإنما سببه سر أنت شديدة الحرص على كتمانه، ولكنني أعرفه!»
فالتفتت إليها جهان مستغربة وتفرست في عينيها ووجهها كأنها تحاول أن تقرأ ضميرها، فتأثرت القهرمانة من نظرها وبما تلألأ في عينيها وهي تغالب عواطفها وقالت: «نعم إن سرك غير خاف علي، وإن كنت تحاولين إخفاءه حياء. وأرى هذا الحياء يبدو على وجهك الآن.»
فصعد الدم إلى وجنتي جهان فتوردتا وأشرق وجهها وأبرقت عيناها بريقا ينم عما يجيش في قلبها من لواعج الحب. واعتراف العينين حجة صادقة مهما يبالغ صاحبهما في الإنكار. فإذا قالت العين قولا وقال اللسان آخر فالصادق هي لا هو، خصوصا من يكون مثل جهان في رقة الإحساس وقوة العاطفة؛ فقد كانت كبيرة القلب وكبيرة العقل معا، ولكن الضعف النسائي غلب عليها في تلك اللحظة فأطرقت، فابتدرتها خيزران قائلة: «لا تعجبي يا سيدتي لاطلاعي على السر، ولست أنا وحدي المطلعة عليه فإنه متداول بين أهل القصر لا يجهله أحد غير أبيك، ولولا تهيب أهل القصر لنقلوه إليه ولكنهم لا يستطيعون ذلك إلا على يدي وأنا لم أفعل.»
فبغتت جهان وقالت وهي تتشاغل بإصلاح عرف جوادها: «وأخي سامان؟ هل يعلمه أيضا؟!»
فابتسمت ابتسامة تشف عن تألمها من ذكر ذلك الاسم وقالت: «سامان؟! إن سامان لا تخفى عليه خافية يا سيدتي وقد قلت لك ذلك مرارا.»
فأدركت جهان أنها تريد انتقاد إخلاص أخيها. فقطعت كلامها قائلة: «إني أتوسم في أخي سامان شيئا لا يرتاح إليه قلبي ولا أدري ما هو، ولكنني لا أحب العيب فيه فهو أخي الوحيد، وأرى منه انعطافا إلي، وإن كان بعضه لا يروق لي، على أني لا أحبذ انشغاله بالأسرار حتى ليخيل إلي أنه جعبة خفايا وغوامض. وكثيرا ما يغيب عن البيت يوما فنبحث عنه في فرغانة بحثا دقيقا فلا نقف له على خبر، ثم يرجع ونسأله عن غيابه فلا يجيب أو يجيب جوابا مبهما. وقد أخبرنا بعضهم أنه كثير الاختلاء بالموبذ كاهن بيت النار في المدينة. ولا يخفى ما هو عليه هذا الكاهن من الدهاء والمكر.»
فقالت خيزران: «أظن هذا الموبذ يؤيد طائفة الخرمية الجمعية السرية التي يتزعمها «بابك الخرمي» صاحب الحول والطول، والذي أصبح خليفة المسلمين يخافه، ولا يبعد أن يكون أخوك سامان أحد أعضاء هذه الجمعية، ولا بأس بذلك فالخرمية يعملون على إعادة السلطة للفرس ومحاربة المسلمين.»
قالت: «لا أنكر ما في أخي سامان من مواضع الضعف، ولكنه أخي. وعلى كل حال ما لنا وله الآن ؟»
فأطرقت القهرمانة وهي تعجب لحسن ظن الفتاة بأخيها، رغم ما يظهر من قبيح أعماله وما تعتقده هي من سوء قصده، ولكنها أعرضت عن ذكره.
Página desconocida