قال: «وهل عرفت سبب قوته بعد أن كاد يعمد إلى الفرار؟»
قال: «نعم. إنه استقوى بمن انضم إليه من الأقوام الناقمين على المسلمين.»
فابتسم وردان وقال: «هذا هو السبب الفرعي، ولعله يبلغ الخليفة اليوم على يد صاحب البريد. أما السبب الأصلي فهو غير ذلك.»
قال: «وما هو؟» قال: «أخبرني بعض القادمين من أرمينيا خبرا كدت أنكره لولا ثقتي بالناقل؛ ذلك أن بابك المشهور بالتهتك والانغماس بالمسكر والفحشاء قد تاب وأناب وأصبح إذا جالس رجاله لا يشرب معهم. وقد انقطع إلى تدبير أمور جنده واستجماع قواه واستنهاض الناس على المسلمين. أخبرني رجل يعرف دخائل البذ. وهم ينسبون هذا التغيير إلى امرأة من نسائه ذات عقل وتدبير اسمها جلنار ملكت قياده وتصرفت في أموره.»
فأطرق ضرغام لحظة وقد ساءه رجوع بابك عن رذائله؛ لأنه كان يرجو أن تكون عونا لهم عليه. وكان يفكر في ذلك وهو واقف بجانب شجرة من التفاح يتلقى بضرب ثمارها المتدانية بخيزرانة في يده ووردان واقف بجانبه. وإذا بغلام من غلمان الخليفة جاء مسرعا. فلما رآه ضرغام علم أنه قادم من عند الخليفة يدعوه، فالتفت إلى وردان وقال: «أظن الخليفة يدعوني لإطلاعي على أخبار الحرب.»
قال: «إذا رأى مولاي أن يكون في هذه الحرب فليأمر أن أكون في خدمته ؛ لأني أعلم أحوال تلك البلاد وطرقها وقد أنفعه.»
قال: «حسنا.» واتجه إلى المنزل ولبس قلنسوته وسواده، وقصد إلى دار الخاصة في قصر الخليفة، فوسع له الحاجب وأدخله بلا استئذان. فلم يجد عند الخليفة إلا القاضي أحمد، ولكنه قرأ في محياه القلق والغضب. فلما أقبل وحيا بش له الخليفة وأمره بالجلوس فجلس، فقال له الخليفة: «أرى الصاحب قد مل القعود في هذا القصر وشبعت نفسه ترفا فاشتاق إلى ميدان الوغى وخوض المعامع.»
فأدرك ضرغام أن الخليفة يمهد له طلب السفر إلى القتال، وأنه لم يفعل إلا وهو يرى الحاجة ماسة إلى نجدته فقال: «إن البقاء إلى جوار أمير المؤمنين نعمة وبركة، ولكن الضرب بسيفه فرض مقدس. وقد طالما حدثت نفسي أن ألتمس من أمير المؤمنين أن يرمي بي في هذه الحرب القائمة بأرمينيا، فإذا أذن لي في ذلك فإنه يغمرني بفضله وأنا في كل حال صنيعته وربيب نعمته.»
فاستحسن الخليفة ذكاءه ونظر إلى القاضي أحمد فالتفت القاضي إلى ضرغام وقال: «إن أمير المؤمنين ضنين بك حريص على قربك، ولكنني لحظت منك في هذه الأيام انقباضا حسبته ناتجا عن هذا الانحباس؛ فإن القائد الشجاع لا يسر إلا بخوض المعامع والظفر بالحرب. ونحن الآن في حرب بأرمينية، وقد صبرنا على ذلك المتمرد لاعتصامه في حصونه. فأشرت على أمير المؤمنين بأن يوجهك إليه فيأتي النصر على يدك.»
فقال: «إني على ما يريد أمير المؤمنين، وأنا على أهبة السفر هذه الساعة.»
Página desconocida