سألها وهو يضع الصينية على المائدة الصغيرة المجاورة لفراشها: «هل كل شيء على ما يرام؟»
مدت إلينورا يدها لأعلى، وأخرجت قطعة من الورق من الدرج العلوي، ثم كتبت: «المدفع.»
فكتم السيد كروم ابتسامة.
قال وهو يساعدها في النهوض: «إن طلقة المدفع علامة على انتهاء فترة الصيام؛ فاليوم هو الأول من رمضان. ألست تعلمين ذلك؟»
فهزت إلينورا رأسها. كانت تعلم بأمر رمضان؛ الصيام نهارا والوجبات الفاخرة ليلا، ولكنها لم تسمع قط عن استخدام مدفع علامة على انتهاء فترة الصيام، فمن تبقى من المسلمين في كونستانتسا كانوا يعينون رجلا صالحا يطوف بالمدينة وهو يقرع طبلة كبيرة الحجم.
فقال السيد كروم وهو يتكئ على النافذة المفتوحة ويحدق إلى الزوارق البخارية: «حسنا، سوف تستمتعين برؤية الألعاب النارية.»
تناولت إلينورا حساء العدس وهي تجلس وحيدة على مكتبها وتشاهد النجوم وهي تضيء الظلام الخالي كما لو كانت شموعا صامتة. ظلت إسطنبول صامتة طوال الفترة التي تناولت فيها عشاءها، ثم دبت فيها الحياة فجأة بينما كانت تتناول فطيرة التمر. أضيئت المصابيح المعلقة بين مآذن المسجد الجديد حيث رسمت عبارة «رمضان كريم»، ونصب باعة المشروبات وقارئو البخت المقاعد بامتداد المياه، ونصبت خيام ذات قماش أزرق وأحمر في ساحة كل مساجد الحي، وامتلأت الشوارع بالأطفال الصغار وذويهم والأعمام وأبناء الأعمام والأولاد الأكبر سنا حاملين حقائب مهترئة يشقون طريقهم وسط الحشود. وانطلقت أول مجموعة من الألعاب النارية مع صوت مواء قطة، وكانت ذات ضوء أخضر، ثم انطلقت مجموعة أخرى بيضاء اللون، فأطلقت الحشود هتافا فرحا. وانطلقت من الزوارق البخارية أسفل نافذة إلينورا صواريخ حمراء وزرقاء وخضراء وبيضاء، فأضاءت سماء ليل رمضان بوميض دخاني، واستمرت الاحتفالات حتى الفجر.
لم تعلم إلينورا ما إذا كان الأمر هو مرأى سربها في ذلك المساء أو بداية الصيف أو قدوم شهر رمضان أو شيء آخر مختلف تماما؛ كل ما أدركته أنها يراودها شعور مختلف. وقفت أمام خزانة ملابسها في الصباح التالي، ولمست أحد ألواح الأرض المكشوفة بطرف أصبع قدمها الكبيرة فارتجفت. كانت قد استيقظت متأخرة وما زال النوم يداعب عينيها، ولكنها لم تستطع أن تنكر أن شيئا ما بداخلها قد تغير. كان بحر الجليد يتفتت. ارتدت ثوبها الأرجواني الشاحب المفضل وزوجا ملائما من الأحذية، ثم استدارت كي تنظر إلى نفسها في المرآة. لا يمكنها إحكام ظهر الثوب بدون مساعدة السيدة داماكان، ولكنها هبطت الدرج رغم ذلك. كان ثمة شيء تنوي مطالبة منصف بك بفعله الآن قبل أن تخونها جرأتها. «صباح الخير أيتها الآنسة كوهين.»
كان البك قد بدأ بالفعل في تناول إفطاره، وكان يضع مربى الكرز على قطعة من الخبز.
فكتبت على قصاصة من الورق: «صباح الخير.» ثم توقفت للحظة ونظرت إليه، ثم تابعت: «منصف بك، هل يمكنني أن أذهب معك اليوم إلى بيرا؟ أعدك أنني لن أسبب إزعاجا.»
Página desconocida