Carl Popper: Cien años de iluminación
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Géneros
تفيد الفكرة الردية (الاختزالية) وراء هذا المخطط أن الأحداث أو الأشياء في كل مستوى يجب أن تفسر في ضوء المستويات الأدنى، أو بتحديد أكثر، إن ما يحدث للكل يمكن تفسيره عن طريق تفسير بنية أجزائه والتفاعل بين هذه الأجزاء.
هذه الفكرة الردية هي فكرة شائقة وهامة أيضا، فحيثما أمكننا أن نفسر كيانات أو أحداثا واقعة على مستوى أعلى بتلك الواقعة على مستوى أدنى أمكننا أن نقول: إننا أحرزنا تقدما علميا كبيرا، وأضفنا الكثير إلى معرفتنا بالمستوى الأعلى، الردية إذن برنامج بحثي هام بل جزء من البرنامج العلمي الذي يهدف إلى التفسير والفهم.
15
ولكن هل صحيح أن لدينا ما يبرر الأمل في إدراك هذه الغاية، أي تحقيق رد إلى المستويات الأدنى؟ أخشى أن الجواب هو النفي، فما أظن أن هناك أمثلة لأي رد ناجح أو كامل، وما أظن أن القائلين بالردية قد التفتوا إلى المصاعب القائمة في الجزء الأعلى من مخططنا التطوري، مثل رد تقلبات العجز التجاري البريطاني وعلاقاته بالدخل القومي إلى علم النفس ثم إلى البيولوجيا (أي رد الاقتصاد إلى السيكولوجيا وهذه إلى البيولوجيا)، وكذلك رد علم الاجتماع إلى علم النفس كما يدعي جون ستيوارت مل (والذي بينت نقاط ضعفه في موضع آخر)، وحتى رد الكيمياء إلى الفيزياء يبقى ردا غير كامل، يومئ المخطط الخاص بمستويات الوجود بأن مبدأ العلية يسري من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى ولا يسري بالعكس على الإطلاق، ويسمى هذا المبدأ بالعلية الصاعدة
Upward Causality ، تفيد العلية الصاعدة أن ما يجري على مستوى أعلى يمكن تفسيره في ضوء المستوى الأدنى منه مباشرة، وهكذا نزلا إلى أن يتم التفسير في ضوء الجسيمات الأولية والقوانين الفيزيائية ذات الصلة، وقد يبدو للوهلة الأولى أن المستويات الأعلى لا يمكن أن تؤثر على المستويات الأدنى.
غير أن فكرة التفاعل بين جسيم وجسيم أو بين ذرة وذرة قد تخلت عنها الفيزياء نفسها، فالبلورة مثلا هي بناء هائل الامتداد المكاني مركب من بلايين الجزيئات، غير أنه يتفاعل ككل ممتد مع فوتونات أو جسيمات شعاع من الفوتونات والجسيمات، إننا هنا بإزاء مثال هام «للعلية الهابطة»
Downward Causality ، فها هنا يؤثر الكل بوصفه كلا على فوتون أو على جسيم أولي أو على ذرة.
بل إن العلية الهابطة لماثلة لنا في أي آلة ذاتية التحكم من خلال التغذية الراجعة، مثل الآلة البخارية، فها هو بناء ماكروسكوبي ينظم أحداث المستويات الأدنى مثل تدفق الجزيئات التي تكون البخار.
والنجوم أيضا رغم أنها تبدو كتلا غير مشكلة، هي أمثلة للعلية الهابطة، فوضع الذرات والجسيمات الأولية في مركزها تحت ضغط جاذبي مهول، وما ينتج عنه من اندماج بعض أنوية الذرات وتكوين أنوية عناصر أثقل، لهو مثال ممتاز على «العلية الهابطة» وعلى تأثير البنية الكلية على أجزائها المكونة.
أما الأمثلة الأكثر إثارة عن العلية الهابطة فإنما توجد في الكائنات العضوية وأنساقها الإيكولوجية، وفي المجتمعات المكونة من هذه الكائنات.
Página desconocida